آيات
٣
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سميت هذه السورة في جميع المصاحف التي رأيناها في جميع التفاسير أيضا (سورة الكوثر) وكذلك عنونها الترمذي في كتاب التفسير من جامعه. وعنونها البخاري في صحيحه سورة (﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ [الكوثر: ١]) ولم يعدها في الإتقان مع السور التي ليس لها أكثر من اسم.
ونقل سعد الله الشهير بسعدي في حاشيته على تفسير البيضاوي عن البقاعي أنها تسمى (سورة النحر) وهل هي مكية أو مدنية ؟ تعارضت الأقوال والآثار في أنها مكية أو مدنية تعارضا شديدا، فهي مكية عند الجمهور واقتصر عليه أكثر المفسرين، ونقل الخفاجي عن كتاب النشر قال: أجمع من نعرفه على أنها مكية. قال الخفاجي: وفيه نظر مع وجود الاختلاف فيها.
وعن الحسن ومجاهد وقتادة وعكرمة هي مدنية ويشهد لهم ما في صحيح مسلم عن أنس بن مالك: «بينا رسول الله ﷺ ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه وقال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر: ١] ثم قال: أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة» الحديث. وأنس أسلم في صدر الهجرة فإذا كان لفظ (آنفا) في كلام النبيء ﷺ مستعملا في ظاهر معناه وهو الزمن القريب، فالسورة نزلت منذ وقت قريب من حصول تلك الرؤيا.
ومقتضى ما يروى في تفسير قوله تعالى: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر: ٣] أن تكون السورة مكية، ومقتضى ظاهر تفسير قوله تعالى: (وانحر) من أن النحر في الحج أو يوم الأضحى - تكون السورة مدنية ويبعث على أن قوله تعالى: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر: ٣] ليس ردا على كلام العاصي بن وائل كما سنبين ذلك.
والأظهر أن هذه السورة مدنية وعلى هذا سنعتمد في تفسير آياتها.
وعلى القول بأنها مكية عدوها الخامسة عشرة في عداد نزول السور، نزلت بعد سورة العاديات وقبل سورة التكاثر، وعلى القول بأنها مدنية فقد قيل: إنها نزلت في الحديبية.
وعدد آيها ثلاث بالاتفاق.
وهي أقصر سور القرآن عدد كلمات وعدد حروف، وأما في عدد الآيات فسورة العصر وسورة النصر مثلها، ولكن كلماتها أكثر.
اشتملت على بشارة النبيء ﷺ بأنه أعطي الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
وأمره بأن يشكر الله على ذلك بالإقبال على العبادة.
وأن ذلك هو الكمال الحق لا ما يتطاول به المشركون على المسلمين بالثروة والنعمة وهم مغضوب عليهم من الله تعالى؛ لأنهم أبغضوا رسوله، وغضب الله بتر لهم إذا كانوا بمحل السخط من الله.
وإن انقطاع الولد الذكر فليس بترا؛ لأن ذلك لا أثر له في كمال الإنسان.