مكة المكرمة
سورة يوسف

آيات

١١١

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سورة يوسف الاسم الوحيد لهذه السورة اسم سورة يوسف، فقد ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة في ترجمة رافع بن مالك الزرقي عن ابن إسحاق أن أبا رافع بن مالك أول من قدم المدينة بسورة يوسف، يعني بعد أن بايع النبي ﷺ يوم العقبة.

ووجه تسميتها ظاهر لأنها قصت قصة يوسف - عليه السلام - كلها، ولم تذكر قصته في غيرها. ولم يذكر اسمه في غيرها إلا في سورة الأنعام وغافر.

وفي هذا الاسم تميز لها من بين السور المفتتحة بحروف الر، كما ذكرناه في سورة يونس.

وهي مكية على القول الذي لا ينبغي الالتفات إلى غيره. وقد قيل: إن الآيات الثلاث من أولها مدنية. قال في الإتقان: وهو واه لا يلتفت إليه.

نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر.

وهي السورة الثالثة والخمسون في ترتيب نزول السور على قول الجمهور.

ولم تذكر قصة نبي في القرآن بمثل ما ذكرت قصة يوسف - عليه السلام - هذه السورة من الإطناب.

وعدد آيها مائة وإحدى عشرة آية باتفاق أصحاب العدد في الأمصار

أغراض السورة

من مقاصد هذه السورة 

روى الواحدي والطبري يزيد أحدهما على الآخر «عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: أنزل القرآن فتلاه رسول الله ﷺ على أصحابه زمانا، فقالوا أي المسلمون بمكة: يا رسول الله لو قصصت علينا، فأنزل الله ﴿الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾ [يوسف: ١] الآيات الثلاث»  .

فأهم أغراضها: بيان قصة يوسف - عليه السلام - مع إخوته، وما لقيه في حياته، وما في ذلك من العبر من نواح مختلفة.

وفيها إثبات أن بعض المرائي قد يكون إنباء بأمر مغيب، وذلك من أصول النبوءات وهو من أصول الحكمة المشرقية كما سيأتي عند قوله - تعالى: ﴿إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا﴾ [يوسف: ٤] الآيات.

وأن تعبير الرؤيا علم يهبه الله لمن يشاء من صالحي عباده.

وتحاسد القرابة بينهم.

ولطف الله بمن يصطفيه من عباده.

والعبرة بحسن العواقب، والوفاء، والأمانة، والصدق، والتوبة.

وسكنى إسرائيل وبنيه بأرض مصر.

وتسلية النبي ﷺ بما لقيه يعقوب ويوسف - عليهما السلام - من آلهم من الأذى. وقد لقي النبي ﷺ من آله أشد ما لقيه من بعداء كفار قومه، مثل عمه أبي لهب، والنضر بن الحارث، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وإن كان هذا قد أسلم بعد وحسن إسلامه، فإن وقع أذى الأقارب في النفوس أشد من وقع أذى البعداء، كما قال طرفة:

وظلم ذوي القربى أشد مضـاضة على المرء من وقع الحسام المهند

قال - تعالى: ﴿لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين﴾ [يوسف: ٧] .

وفيها العبرة بصبر الأنبياء مثل يعقوب ويوسف - عليهما السلام - على البلوى. وكيف تكون لهم العاقبة.

وفيها العبرة بهجرة قوم النبي ﷺ إلى البلد الذي حل به كما فعل يعقوب - عليه السلام - وآله، وذلك إيماء إلى أن قريشا ينتقلون إلى المدينة مهاجرين تبعا لهجرة النبي ﷺ .

وفيها من عبر تاريخ الأمم والحضارة القديمة وقوانينها ونظام حكوماتها وعقوباتها وتجارتها. واسترقاق الصبي اللقيط. واسترقاق السارق، وأحوال المساجين. ومراقبة المكاييل.

وإن في هذه السورة أسلوبا خاصا من أساليب إعجاز القرآن وهو الإعجاز في أسلوب القصص الذي كان خاصة أهلمكة يعجبون مما يتلقونه منه من بين أقاصيص العجم والروم، فقد كان النضر بن الحارث وغيره يفتنون قريشا بأن ما يقوله القرآن في شأن الأمم هو أساطير الأولين اكتتبها محمد ﷺ .

وكان النضر يتردد على الحيرة فتعلم أحاديث (رستم) و(اسفنديار) من أبطال فارس، فكان يحدث قريشا بذلك ويقول لهم: أنا والله أحسن حديثا من محمد فهلم أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم بأخبار الفرس، فكان ما بعضها من التطويل على عادة أهل الأخبار من الفرس يموه به عليهم بأنه أشبع للسامع، فجاءت هذه السورة على أسلوب استيعاب القصة تحديا لهم بالمعارضة.

على أنها مع ذلك قد طوت كثيرا من القصة من كل ما ليس له كبير أثر في العبرة. ولذلك ترى في خلال السورة وكذلك مكنا ليوسف في الأرض مرتين ﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ [يوسف: ٧٦] فتلك عبر من أجزاء القصة.

وما تخلل ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين كقوله: ﴿عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون﴾ [يوسف: ٦٧]، وقوله: ﴿إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ [يوسف: ٩٠] .