مكة المكرمة
سورة طه

آيات

١٣٥

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سميت سورة (طاها) باسم الحرفين المنطوق بهما في أولها.

ورسم الحرفان بصورتهما لا بما ينطق به الناطق من اسميهما تبعا لرسم المصحف كما تقدم في سورة الأعراف. وكذلك وردت تسميتها في كتب السنة في حديث إسلام عمر بن الخطاب كما سيأتي قريبا.

وفي تفسير القرطبي عن مسند الدرامي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تبارك وتعالى قرأ (طاها) ”(باسمين)“ قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمة ينزل هذا عليها»  الحديث.

قال ابن فورك: معناه أن الله أظهر كلامه وأسمعه من أراد أن يسمعه من الملائكة، فتكون هذه التسمية مروية عن النبيء ﷺ .

وذكر في الإتقان عن السخاوي أنها تسمى أيضا ”سورة الكليم“، وفيه عن الهذلي في كامله أنها تسمى ”سورة موسى“ .

وهي مكية كلها على قول الجمهور. واقتصر عليه ابن عطية وكثير من المفسرين.

وفي الإتقان أنه استثني منها آية (﴿فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها﴾ [طه: ١٣٠]) الآية.

واستظهر في الإتقان أن يستثنى منها قوله تعالى (﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا﴾ [طه: ١٣١]) الآية. لما أخرج أبو يعلى والبزار عن أبي رافع قال: «أضاف النبيء ﷺ ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب فقال: لا، إلا برهن، فأتيت النبيء فأخبرته فقال: أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض. فلم أخرج من عنده حتى نزلت (﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا﴾ [طه»: ١٣١])  الآية اهـ.

وعندي أنه إن صح حديث أبي رافع فهو من اشتباه التلاوة بالنزول. فلعل النبيء ﷺ قرأها متذكرا فظنها أبو رافع نازلة ساعتئذ ولم يكن سمعها قبل، أو أطلق النزول على التلاوة. ولهذا نظائر كثيرة في المرويات في أسباب النزول كما علمته غير مرة.

وهذه السورة هي الخامسة والأربعون في ترتيب النزول نزلت بعد سورة مريم وقبل سورة الواقعة. ونزلت قبل إسلام عمر بن الخطاب لما روى الدارقطني عن أنس بن مالك، وابن إسحاق في سيرته عنه قال: خرج عمر متقلدا بسيف. فقيل له: أن ختنك وأختك قد صبوا، فأتاهما عمر وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما سورة ”طاها“، فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه، فقالت له أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ. فقام عمر وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ طه. فلما قرأ صدرا منها قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه إلى آخر القصة.

وذكر الفخر عن بعض المفسرين أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة.

وكان إسلام عمر في سنة خمس من البعثة قبيل الهجرة الأولى إلى الحبشة فتكون هذه السورة قد نزلت في سنة خمس أو أواخر سنة أربع من البعثة.

وعدت آيها في عدد أهل المدينة ومكة مائة وأربعا وثلاثين وفي عدد أهل الشام مائة وأربعين، وفي عدد أهل البصرة مائة واثنتين وثلاثين. وفي عدد أهل الكوفة مائة وخمسا وثلاثين.

أغراض السورة

احتوت من الأغراض على:

التحدي بالقرآن بذكر الحروف المقطعة في مفتتحها والتنويه بأنه تنزيل من الله لهدي القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.

والتنويه بعظمة الله تعالى. وإثبات رسالة محمد ﷺ بأنها تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس. فضرب المثل لنزول القرآن على محمد ﷺ بكلام الله موسى - عليه السلام - .

وبسط نشأة موسى وتأييد الله إياه ونصره على فرعون بالحجة والمعجزات وبصرف كيد فرعون عنه وعن أتباعه.

وإنجاء الله موسى وقومه، وغرق فرعون، وما أكرم الله به بني إسرائيل في خروجهم من بلد القبط.

وقصة السامري وصنعه العجل الذي عبده بنو إسرائيل في مغيب موسى - عليه السلام - .

وكل ذلك تعريض بأن مآل بعثة محمد ﷺ صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى - عليه السلام - من النصر على معانديه. فلذلك انتقل من ذلك إلى وعيد من أعرضوا عن القرآن ولم تنفعهم أمثاله ومواعظه.

ورتب على ذلك سوء الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مقادتهم بيد الشيطان وإنذارهم بسوء العقاب في الدنيا.

وتسلية النبيء ﷺ على ما يقولونه وتثبيته على الدين.

وتخلل ذلك إثبات البعث. وتهويل يوم القيامة وما يتقدمه من الحوادث والأهوال.