مكة المكرمة
سورة ص

آيات

٨٨

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سورة ص سميت في المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة والآثار عن السلف“ سورة صاد ”كما ينطق باسم حرف الصاد تسمية لها بأول كلمة منها هي صاد (بصاد فألف فدال ساكنة سكون وقف) شأن حروف التهجي عند التهجي بها أن تكون موقوفة، أي ساكنة الأعجاز. وأما قول المعري يذكر سليمان - عليه السلام -:

وهو من سخرت له الإنس والج ن بما صح من شهادة صاد

فإنما هي كسرة القافية الساكنة تغير إلى الكسرة ( لأن الكسر أصل في التخلص من السكون كقول امرئ القيس:

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل

وفي الإتقان عن كتاب جمال القراء للسخاوي: أن سورة ص تسمى أيضا سورة داود، ولم يذكر سنده في ذلك.

وكتب اسمها في المصاحف بصورة حرف الصاد مثل سائر الحروف المقطعة في أوائل السور اتباعا لما كتب في المصحف.

وهي مكية في قول الجميع، وذكر في الإتقان أن الجعبري حكى قولا بأنها مدنية، قال السيوطي: وهو خلاف حكاية جماعة الإجماع على أنها مكية. وعن الداني في كتاب العدد قول بأنها مدنية وقال: إنه ليس بصحيح.

وهي السورة الثامنة والثلاثون في عداد نزول السورة، نزلت بعد سورة ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١] وقبل سورة الأعراف.

وعدت آيها ستا وثمانين عند أهل الحجاز والشام والبصرة، وعدها أيوب بن المتوكل البصري خمسا وثمانين. وعدت عند أهل الكوفة ثمانا وثمانين. روى الترمذي عن ابن عباس قال:

«مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبيء ﷺ وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل يمنع النبيء ﷺ من أن يجلس، وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا بن أخي ما تريد من قومك ؟ قال: إني أريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية. قال: كلمة واحدة ! . قال: يا عم يقولوا لا إله إلا الله، فقالوا: أإلها واحدا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق، قال: فنزل فيهم القرآن ﴿ص والقرآن ذي الذكر﴾ [ص: ١] إلى قوله ﴿ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق﴾ [ص»: ٧]  قال: حديث حسن. فهذا نص في أن نزولها في آخر حياة أبي طالب، وهذا المرض مرض موته كما في ابن عطية فتكون هذه السورة قد نزلت في سنة ثلاث قبل الهجرة.

أغراض السورة

أغراضها أصلها ما علمت من حديث الترمذي في سبب نزولها. وما اتصل به من توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول ﷺ وتكبرهم عن قبول ما أرسل به، وتهديدهم بمثل ما حل بالأمم المكذبة قبلهم وأنهم إنما كذبوه لأنه جاء بتوحيد الله تعالى ولأنه اختص بالرسالة من دونهم.

وتسلية الرسول ﷺ عن تكذيبهم وأن يقتدي بالرسل من قبله داود وأيوب وغيرهم وما جوزوا عن صبرهم، واستطراد الثناء على داود وسليمان وأيوب، وأتبع ذكر أنبياء آخرين لمناسبة سنذكرها.

وإثبات البعث لحكمة جزاء العاملين بأعمالهم من خير أو شر.

وجزاء المؤمنين المتقين وضده من جزاء الطاغين والذين أضلوهم وقبحوا لهم الإسلام والمسلمين.

ووصف أحوالهم يوم القيامة.

وذكر أول غواية حصلت وأصل كل ضلالة وهي غواية الشيطان في قصة السجود لآدم. وقد جاءت فاتحتها مناسبة لجميع أغراضها إذ ابتدئت بالقسم بالقرآن الذي كذب به المشركون، وجاء المقسم عليه أن الذين كفروا في عزة وشقاق، وكل ما ذكر فيها من أحوال المكذبين سببه اعتزازهم وشقاقهم، ومن أحوال المؤمنين سببه ضد ذلك، مع ما في الافتتاح بالقسم من التشويق إلى ما بعده فكانت فاتحتها مستكملة خصائص حسن الابتداء.

* * *

ص القول في هذا الحرف كالقول في نظائره من الحروف المقطعة الواقعة في أوائل بعض السور بدون فرق أنها مقصودة للتهجي تحديا لبلغاء العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وتوركا عليهم إذ عجزوا عنه، واتفق أهل العد على أن ص ليس بآية مستقلة بل هي في مبدأ آية إلى قوله“ ذي الذكر " وإنما لم تعد ص آية لأنها حرف واحد كما لم يعد (ق) و(ن) آية.