آيات
٢٢٧
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
اشتهرت عند السلف بسورة الشعراء؛ لأنها تفردت من بين سور القرآن بذكر كلمة الشعراء. وكذلك جاءت تسميتها في كتب السنة. وتسمى أيضا سورة طسم.
وفي أحكام ابن العربي أنها تسمى أيضا الجامعة، ونسبه ابن كثير والسيوطي في الإتقان إلى تفسير مالك المروي عنه. ولم يظهر وجه وصفها بهذا الوصف. ولعلها أول سورة جمعت ذكر الرسل أصحاب الشرائع المعلومة إلى الرسالة المحمدية.
وهي مكية، فقيل: جميعها مكي، وهو المروي عن ابن الزبير. ورواية عن ابن عباس ونسبه ابن عطية إلى الجمهور. وروي عن ابن عباس أن قوله تعالى: (﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ [الشعراء: ٢٢٤]) إلى آخر السورة نزل بالمدينة لذكر شعراء رسول الله ﷺ حسان بن ثابت، وابن رواحة، وكعب بن مالك وهم المعني بقوله: (﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ [الشعراء: ٢٢٧]) الآية. ولعل هذه الآية هي التي أقدمت هؤلاء على القول بأن تلك الآيات مدنية. وعن الداني قال: نزلت (﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ [الشعراء: ٢٢٤]) في شاعرين تهاجيا في الجاهلية.
وأقول: كان شعراء بمكة يهجون النبيء ﷺ منهم النضر بن الحارث، والعوراء بنت حرب زوج أبي لهب ونحوهما، وهم المراد بآيات (﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ [الشعراء: ٢٢٤]) . وكان شعراء المدينة قد أسلموا قبل الهجرة وكان في مكة شعراء مسلمون من الذين هاجروا إلى الحبشة كما سيأتي.
وعن مقاتل: أن قوله تعالى: (﴿أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل﴾ [الشعراء: ١٩٧]) نزل بالمدينة. وكان الذي دعاه إلى ذلك أن مخالطة علماء بني إسرائيل كانت بعد الهجرة. ولا يخفى أن الحجة لا تتوقف على وقوع مخالطة علماء بني إسرائيل؛ فقد ذكر القرآن مثل هذه الحجة في آيات نزلت بمكة، من ذلك قوله: (﴿قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب﴾ [الرعد: ٤٣]) في سورة الرعد وهي مكية، وقوله: (﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ [القصص: ٥٢]) في سورة القصص وهي مكية، وقوله (﴿وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به﴾ [العنكبوت: ٤٧]) في سورة العنكبوت وهي مكية. وشأن علماء بني إسرائيل مشهور بمكة، وكان لأهل مكة صلات مع اليهود بالمدينة ومراجعة بينهم في شأن بعثة محمد ﷺ كما تقدم عند قوله تعالى: (﴿ويسألونك عن الروح﴾ [الإسراء: ٨٥]) في سورة الإسراء، ولذا فالذي نوقن به أن السورة كلها مكية.
وهي السورة السابعة والأربعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الواقعة وقبل سورة النمل. وسيأتي في تفسير قوله تعالى: (﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ [الشعراء: ٢١٤]) ما يقتضي أن تلك الآية نزلت قبل نزول سورة أبي لهب وتعرضنا لإمكان الجمع بين الأقوال.
وقد جعل أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة عدد آيها مائتين وستا وعشرين، وجعله أهل الشام وأهل الكوفة مائتين وسبعا وعشرين.
الأغراض التي اشتملت عليها
أولها التنويه بالقرآن، والتعريض بعجزهم عن معارضته، وتسلية النبيء ﷺ على ما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن.
وفي ضمنه تهديدهم على تعرضهم لغضب الله تعالى، وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها والمعرضة عن آيات الله.
وأحسب أنها نزلت إثر طلب المشركين أن يأتيهم الرسول بخوارق، فافتتحت بتسلية النبيء ﷺ وتثبيت له ورباطة لجأشه بأن ما يلاقيه من قومه هو سنة الرسل من قبله مع أقوامهم مثل موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب؛ ولذلك ختم كل استدلال جيء به على المشركين المكذبين بتذييل واحد هو قوله: (﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ [الشعراء: ١٥٨] ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾ [الشعراء: ٩]) تسجيلا عليهم بأن آيات الوحدانية وصدق الرسل عديدة كافية لمن يتطلب الحق ولكن أكثر المشركين لا يؤمنون، وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب وأنه رحيم برسله فناصرهم على أعدائهم.
قال في الكشاف: كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه. وفيها من الاعتبار ما في غيرها فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها، ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأبعد من النسيان، ولأن هذه القصص طرقت بها آذان وقرت عن الإنصات للحق فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا أو يفتق ذهنا اهـ.
ثم التنويه بالقرآن، وشهادة أهل الكتاب له، والرد على مطاعنهم في القرآن وجعله عضين، وأنه منزه عن أن يكون شعرا ومن أقوال الشياطين، وأمر الرسول ﷺ بإنذار عشيرته، وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ، وما تخلل ذلك من دلائل.