مكة المكرمة
سورة سبإ

آيات

٥٤

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

هذا اسمها الذي اشتهرت به في كتب السنة وكتب التفسير وبين القراء ولم أقف على تسميتها في عصر النبوءة. ووجه تسميتها به أنها ذكرت فيها قصة أهل سبأ.

وهي مكية وحكي اتفاق أهل التفسير عليه. وعن مقاتل أن آية ﴿ويرى الذين أوتوا العلم﴾ [سبإ: ٦] إلى قوله (﴿العزيز الحميد﴾ [سبإ: ٦]) نزلت بالمدينة. ولعله بناء على تأويلهم أهل العلم إنما يراد بهم أهل الكتاب الذين أسلموا مثل عبد الله بن سلام. والحق أن الذين أوتوا العلم هم أصحاب محمد ﷺ، وعزي ذلك إلى ابن عباس أو هم أمة محمد، قاله قتادة، أي لأنهم أوتوا بالقرآن علما كثيرا قال تعالى ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ [العنكبوت: ٤٩]، على أنه لا مانع من التزام أنهم علماء أهل الكتاب قبل أن يؤمنوا لأن المقصود الاحتجاج بما هو مستقر في نفوسهم الذي أنبأ عنه إسلام طائفة منهم كما نبينه عند قوله تعالى ﴿ويرى الذين أوتوا العلم﴾ [سبإ: ٦] إلخ.

ولابن الحصار أن سورة سبأ مدنية لما رواه الترمذي: عن فروة بن مسيك العطيفي المرادي قال: «أتيت رسول الله ﷺ إلى أن قال: وأنزل في سبأ ما أنزل. فقال رجل: يا رسول الله: وما سبأ» ؟  الحديث. قال ابن الحصار: هاجر فروة سنة تسع بعد فتح الطائف. وقال ابن الحصار: يحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرة فروة، أي أن سائلا سأل عنه لما قرأه أو سمعه من هذه السورة أو من سورة النمل.

وهي السورة الثامنة والخمسون في عداد السور، نزلت بعد سورة لقمان وقبل سورة الزمر كما في المروي عن جابر بن زيد واعتمد عليه الجعبري كما في الإتقان، وقد تقدم في سورة الإسراء أن قوله تعالى فيها ﴿وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾ [الإسراء: ٩٠] إلى قوله ﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا﴾ [الإسراء: ٩٢] إنهم عنوا قوله تعالى في هذه السورة ﴿إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء﴾ [سبإ: ٩] فاقتضى أن سورة سبأ نزلت قبل سورة الإسراء وهو خلاف ترتيب جابر بن زيد الذي يعد الإسراء متممة الخمسين.

وليس يتعين أن يكون قولهم ﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا﴾ [الإسراء: ٩٢] معنيا به هذه الآية لجواز أن يكون النبيء ﷺ هددهم بذلك في موعظة أخرى.

وعدد آيها أربع وخمسون في عد الجمهور، وخمس وخمسون في عد أهل الشام.

أغراض السورة

من أغراض هذه السورة (سبأ) إبطال قواعد الشرك وأعظمها إشراكهم آلهة مع الله وإنكار البعث فابتدئ بدليل على انفراده تعالى بالإلهية عن أصنامهم ونفي أن تكون الأصنام شفعاء لعبادها.

ثم موضوع البعث، «وعن مقاتل: أن سبب نزولها أن أبا سفيان لما سمع قوله تعالى ﴿ليعذب الله المنافقين والمنافقات﴾ الآية الأخيرة من سورة الأحزاب قال لأصحابه: كأن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت، واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا، فأنزل الله تعالى ﴿وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة﴾ [سبإ: ٣] الآية»  .

وعليه فما قبل الآية المذكورة من قوله ﴿الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ [سبإ: ١] إلى قوله ﴿وهو الرحيم الغفور﴾ [سبإ: ٢] تمهيد للمقصود من قوله ﴿وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة﴾ [سبإ: ٣] . وإثبات إحاطة علم الله بما في السماوات وما في الأرض فما يخبر به فهو واقع ومن ذلك إثبات البعث والجزاء.

وإثبات صدق النبيء ﷺ فيما أخبر به، وصدق ما جاء به القرآن وأن القرآن شهدت به علماء أهل الكتاب.

وتخلل ذلك بضروب من تهديد المشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركين من قبل. وعرض بأن جعلهم لله شركاء كفران لنعمة الخالق فضرب لهم المثل بمن شكروا نعمة الله واتقوه فأوتوا خير الدنيا والآخرة وسخرت لهم الخيرات مثل داود وسليمان، وبمن كفروا بالله فسلطت عليه الأرزاء في الدنيا وأعد لهم العذاب في الآخرة مثل سبأ، وحذروا من الشيطان، وذكروا بأن ما هم فيه من قرة العين يقربهم إلى الله، وأنذروا بما سيلقون يوم الجزاء من خزي وتكذيب وندامة وعدم النصير وخلود في العذاب، وبشر المؤمنون بالنعيم المقيم.

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌