آيات
٥٢
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سميت هذه السورة في معظم التفاسير وفي صحيح البخاري (سورة ن والقلم) على حكاية اللفظين الواقعين في أولها، أي سورة هذا اللفظ.
وترجمها الترمذي في جامعه وبعض المفسرين سورة (ن) بالاقتصار على الحرف المفرد الذي افتتحت به مثل ما سميت سورة (ص) وسورة (ق) .
وفي بعض المصاحف سميت سورة القلم وكذلك رأيت تسميتها في مصحف مخطوط بالخط الكوفي في القرن الخامس.
وهي مكية قال ابن عطية: لا خلاف في ذلك بين أهل التأويل.
وذكر القرطبي عن الماوردي: أن ابن عباس وقتادة قالا: أولها مكي، إلى قوله ﴿على الخرطوم﴾ [القلم: ١٦]، ومن قوله ﴿إنا بلوناهم﴾ [القلم: ١٧] إلى ﴿لو كانوا يعلمون﴾ [القلم: ٣٣] مدني، ومن قوله ﴿إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم﴾ [القلم: ٣٤] إلى قوله ﴿فهم يكتبون﴾ [القلم: ٤٧] مكي ومن قوله ﴿فاصبر لحكم ربك﴾ [القلم: ٤٨] إلى قوله ﴿من الصالحين﴾ [القلم: ٥٠] مدني، ومن قوله ﴿وإن يكاد الذين كفروا﴾ [القلم: ٥١] إلى آخر السورة مكي.
وفي الإتقان عن السخاوي: أن المدني منها من قوله ﴿إنا بلوناهم﴾ [القلم: ١٧] إلى ﴿لو كانوا يعلمون﴾ [القلم: ٣٣] ومن قوله ﴿فاصبر لحكم ربك﴾ [القلم: ٤٨] إلى قوله ﴿من الصالحين﴾ [القلم: ٥٠] فلم يجعل قوله ﴿إن للمتقين عند ربهم﴾ [القلم: ٣٤] إلى قوله ﴿فهم يكتبون﴾ [القلم: ٤٧] مدنيا خلافا لما نسبه الماوردي إلى ابن عباس.
وهذه السورة عدها جابر بن زيد ثانية السور نزولا قال: نزلت بعد سورة ﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق: ١] وبعدها سورة المزمل ثم سورة المدثر، والأصح حديث عائشة «أن أول ما أنزل سورة (﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق: ١]) ثم فتر الوحي ثم نزلت سورة المدثر» ( .
وما في حديث جابر بن عبد الله أن سورة المدثر نزلت بعد فترة الوحي يحمل على أنها نزلت بعد سورة (﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق: ١]) جمعا بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي تفسير القرطبي: أن معظم السورة نزل في الوليد بن المغيرة وأبي جهل.
واتفق العادون على عد آيها ثنتين وخمسين.
أغراضها جاء في هذه السورة الإيماء بالحرف الذي في أولها إلى تحدي المعاندين بالتعجيز عن الإتيان بمثل سور القرآن وهذا أول التحدي الواقع في القرآن؛ إذ ليس في سورة العلق ولا في المزمل ولا في المدثر إشارة إلى التحدي ولا تصريح.
وفيها إشارة إلى التحدي بمعجزة الأمية بقوله ﴿والقلم وما يسطرون﴾ [القلم: ١] .
وابتدئت بخطاب النبيء ﷺ تأنيسا له وتسلية عما لقيه من أذى المشركين.
وإبطال مطاعن المشركين في النبيء ﷺ .
وإثبات كمالاته في الدنيا والآخرة وهديه وضلال معانديه وتثبيته.
وأكد ذلك بالقسم بما هو من مظاهر حكمة الله تعالى في تعليم الإنسان الكتابة فتضمن تشريف حروف الهجاء والكتابة والعلم لتهيئة الأمة لخلع دثار الأمية عنهم وإقبالهم على الكتابة والعلم لتكون الكتابة والعلم سببا لحفظ القرآن.
ثم أنحى على زعماء المشركين مثل أبي جهل والوليد بن المغيرة بمذمات كثيرة وتوعدهم بعذاب الآخرة وببلايا في الدنيا بأن ضرب لهم مثلا بمن غرهم عزهم وثراؤهم، فأزال الله ذلك عنهم وأباد نعمتهم.
وقابل ذلك بحال المؤمنين المتقين وأن الله اجتباهم بالإسلام، وأن آلهتهم لا يغنون عنهم شيئا من العذاب في الدنيا ولا في الآخرة.
ووعظهم بأن ما هم فيه من النعمة استدراج وإملاء جزاء كيدهم. وأنهم لا معذرة لهم فيما قابلوا به دعوة النبيء ﷺ من طغيانهم ولا حرج عليهم في الإنصات إليها.
وأمر رسوله ﷺ بالصبر في تبليغ الدعوة وتلقي أذى قومه، وأن لا يضجر في ذلك ضجرا عاتب الله عليه نبيه يونس - عليه السلام - .