آيات
٦٤
مكان النزول
المدينة المنورة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سميت هذه السورة (سورة النور) من عهد النبيء ﷺ . روي عن مجاهد قال رسول الله: «علموا نساءكم سورة النور» ولم أقف على إسناده. وعن حارثة بن مضر: (كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور) . وهذه تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة، ولا يعرف لها اسم آخر. ووجه التسمية أن فيها آية ﴿الله نور السماوات والأرض﴾ [النور: ٣٥] .
وهي مدنية باتفاق أهل العلم ولا يعرف مخالف في ذلك. وقد وقع في نسخ تفسير القرطبي عند قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم﴾ [النور: ٥٨] الآية، في المسألة الرابعة كلمة (وهي مكية) يعني الآية. فنسب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي وتبعه الآلوسي، إلى القرطبي أن تلك الآية مكية مع أن سبب نزولها الذي ذكره القرطبي صريح في أنها نزلت بالمدينة كيف وقد قال القرطبي في أول هذه السورة: (مدنية بالإجماع) . ولعل تحريفا طرأ على النسخ من تفسير القرطبي وأن صواب الكلمة (وهي محكمة) أي: غير منسوخ حكمها فقد وقعت هذه العبارة في تفسير ابن عطية، قال (وهي محكمة قال ابن عباس: تركها الناس) . وسيأتي أن سبب نزول قوله تعالى: ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة﴾ [النور: ٣] الآية قضية مرثد بن أبي مرثد مع عناق. ومرثد بن أبي مرثد استشهد في صفر سنة ثلاث للهجرة في غزوة الرجيع، فيكون أوائل هذه السورة نزل قبل سنة ثلاث، والأقرب أن يكون في أواخر السنة الأولى أو أوائل السنة الثانية أيام كان المسلمون يتلاحقون للهجرة وكان المشركون جعلوهم كالأسرى.
ومن آياتها آيات قصة الإفك وهي نازلة عقب غزوة بني المصطلق من خزاعة. والأصح أن غزوة بني المصطلق كانت سنة أربع فإنها قبل غزوة الخندق.
ومن آياتها ﴿والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم﴾ [النور: ٦] الآية نزلت في شعبان سنة تسع بعد غزوة تبوك فتكون تلك الآيات مما نزل بعد نزول أوائل هذه السورة وهذا يقتضي أن هذه السورة نزلت منجمة متفرقة في مدة طويلة وألحق بعض آياتها ببعض.
وقد عدت هذه السورة المائة في ترتيب نزول سور القرآن عند جابر بن زيد عن ابن عباس. قال: نزلت بعد سورة (إذا جاء نصر الله) وقبل سورة الحج، أي: عند القائلين بأن سورة الحج مدنية.
وآيها اثنتان وستون في عد المدينة ومكة وأربع وستون في عد البقية.
شملت من الأغراض كثيرا من أحكام معاشرة الرجال للنساء. ومن آداب الخلطة والزيارة.
وأول ما نزلت بسببه قضية التزوج بامرأة اشتهرت بالزنى وصدر ذلك ببيان حد الزنى.
وعقاب الذين يقذفون المحصنات. وحكم اللعان.
والتعرض إلى براءة عائشة رضي الله عنها مما أرجفه عليها أهل النفاق، وعقابهم، والذين شاركوهم في التحدث به.
والزجر عن حب إشاعة الفواحش بين المؤمنين والمؤمنات.
والأمر بالصفح عن الأذى مع الإشارة إلى قضية مسطح بن أثاثة.
وأحكام الاستئذان في الدخول إلى بيوت الناس المسكونة ودخول البيوت غير المسكونة.
وآداب المسلمين والمسلمات في المخالطة.
وإفشاء السلام.
والتحريض على تزويج العبيد والإماء.
والتحريض على مكاتبتهم، أي: إعتاقهم على عوض يدفعونه لمالكيهم.
وتحريم البغاء الذي كان شائعا في الجاهلية.
والأمر بالعفاف.
وذم أحوال أهل النفاق والإشارة إلى سوء طويتهم مع النبيء ﷺ .
والتحذير من الوقوع في حبائل الشيطان.
وضرب المثل لهدي الإيمان وضلال الكفر.
والتنويه ببيوت العبادة والقائمين فيها.
وتخلل ذلك وصف عظمة الله تعالى وبدائع مصنوعاته وما فيها من منن على الناس.
وقد أردف ذلك بوصف ما أعد الله للمؤمنين، وأن الله علم بما يضمره كل أحد وأن المرجع إليه والجزاء بيده.