مكة المكرمة
سورة النحل

آيات

١٢٨

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سميت هذه السورة عند السلف سورة النحل، وهو اسمها المشهور في المصاحف، وكتب التفسير، وكتب السنة.

ووجه تسميتها بذلك أن لفظ النحل لم يذكر في سورة أخرى.

وعن قتادة أنها تسمى سورة النعم: أي بكسر النون وفتح العين، قال ابن عطية: لما عدد الله فيها من النعم على عباده.

وهي مكية في قول الجمهور، وهو عن ابن عباس، وابن الزبير، وقيل إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة منصرف النبيء ﷺ من غزوة أحد، وهي قوله تعالى ﴿وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به﴾[النحل: ١٢٦] إلى آخر السورة، قيل: نزلت في نسخ عزم النبيء ﷺ على أن يمثل بسبعين من المشركين إن أظفره الله بهم مكافأة على تمثيلهم بحمزة.

وعن قتادة وجابر بن زيد أن أولها مكي إلى قوله تعالى ﴿والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا﴾[النحل: ٤١] فهو مدني إلى آخر السورة.

وسيأتي في تفسير قوله تعالى ﴿ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء﴾[النحل: ٧٩] ما يرجح أن بعض السورة مكي وبعضها مدني، وبعضها نزل بعد الهجرة إلى الحبشة كما يدل عليه قوله تعالى ﴿ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا﴾[النحل: ١١٠]، وبعضها متأخر النزول عن سورة الأنعام؛ لقوله في هذه ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل﴾[النحل: ١١٨]، يعني بما قص من قبل قوله تعالى ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر﴾[الأنعام: ١٤٦] الآيات.

وذكر القرطبي أنه روي عن عثمان بن مظعون: لما نزلت هذه الآية قرأتها على أبي طالب فتعجب، وقال: يا آل غالب اتبعوا ابن أخي تفلحوا فوالله إن الله أرسله ليأمركم بمكارم الأخلاق.

وروى أحمد عن ابن عباس أن عثمان بن مظعون لما نزلت هذه الآية كان جالسا عند رسول الله ﷺ - قبل أن يسلم - قال: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي، وأحببت محمدا ﷺ .

وروي أن النبيء ﷺ أمره الله أن يضعها في موضعها هذا من هذه السورة.

وهذه السورة نزلت بعد سورة الأنبياء، وقبل سورة (الم) السجدة، وقد عدت الثانية والسبعين في ترتيب نزول السور.

وآيها مائة وثمان وعشرون بلا خلاف، ووقع للخفاجي عن الداني أنها نيف وتسعون، ولعله خطأ أو تحريف أو نقص.

أغراض السورة

أغراض هذه السورة معظم ما اشتملت عليه السورة إكثار متنوع الأدلة على تفرد الله تعالى بالإلهية، والأدلة على فساد دين الشرك، وإظهار شناعته، وأدلة إثبات رسالة محمد ﷺ، وإنزال القرآن عليه ﷺ .

وإن شريعة الإسلام قائمة على أصول ملة إبراهيم عليه السلام.

وإثبات البعث والجزاء؛ فابتدئت بالإنذار بأنه قد اقترب حلول ما أنذر به المشركون من عذاب الله الذي يستهزئون به، وتلا ذلك قرع المشركين وزجرهم على تصلبهم في شركهم وتكذيبهم.

وانتقل إلى الاستدلال على إبطال عقيدة الشرك؛ فابتدئ بالتذكير بخلق السماوات والأرض، وما في السماء من شمس وقمر ونجوم، وما في الأرض من ناس وحيوان ونبات وبحار وجبال، وأعراض الليل والنهار، وما في أطوار الإنسان وأحواله من العبر.

وخصت النحل وثمراتها بالذكر؛ لوفرة منافعها، والاعتبار بإلهامها إلى تدبير بيوتها وإفراز شهدها.

والتنويه بالقرآن وتنزيهه عن اقتراب الشيطان، وإبطال افترائهم على القرآن، والاستدلال على إمكان البعث، وأنه تكوين كتكوين الموجودات.

والتحذير مما حل بالأمم التي أشركت بالله، وكذبت رسله عليهم السلام عذاب الدنيا، وما ينتظرهم من عذاب الآخرة، وقابل ذلك بضده من نعيم المتقين المصدقين والصابرين على أذى المشركين والذين هاجروا في الله وظلموا، والتحذير من الارتداد عن الإسلام، والترخيص لمن أكره على الكفر في التقية من المكرهين، والأمر بأصول من الشريعة؛ من تأصيل العدل، والإحسان، والمواساة، والوفاء بالعهد، وإبطال الفحشاء والمنكر والبغي، ونقض العهود، وما على ذلك من جزاء بالخير في الدنيا والآخرة.

وأدمج في ذلك ما فيها من العبر والدلائل، والامتنان على الناس بما في ذلك من المنافع الطيبات المنتظمة، والمحاسن، وحسن المناظر، ومعرفة الأوقات، وعلامات السير في البر والبحر، ومن ضرب الأمثال، ومقابلة الأعمال بأضدادها، والتحذير من الوقوع في حبائل الشيطان، والإنذار بعواقب كفران النعمة.

ثم عرض لهم بالدعوة إلى التوبة ﴿ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة﴾ [النحل: ١١٩] إلخ. . . .

وملاك طرائق دعوة الإسلام ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة﴾ [النحل: ١٢٥] .

وتثبيت الرسول ﷺ ووعده بتأييد الله إياه.