مكة المكرمة
سورة لقمان

آيات

٣٤

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سميت هذه السورة بإضافتها إلى لقمان؛ لأن فيها ذكر لقمان وحكمته وجملا من حكمته التي أدب بها ابنه. وليس لها اسم غير هذا الاسم، وبهذا الاسم عرفت بين القراء والمفسرين. ولم أقف على تصريح به فيما يروى عن رسول الله ﷺ بسند مقبول.

وروى البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس: أنزلت سورة لقمان بمكة.

وهي مكية كلها عند ابن عباس في أشهر قوليه وعليه إطلاق جمهور المفسرين، وعن ابن عباس من رواية النحاس استثناء ثلاث آيات من قوله تعالى ﴿ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام﴾ [لقمان: ٢٧] إلى قوله ﴿بما تعملون خبير﴾ [لقمان: ٢٩] . وعن قتادة إلا آيتين إلى قوله ﴿إن الله سميع بصير﴾ [لقمان: ٢٨]، وفي تفسير الكواشي حكاية قول إنها مكية عدا آية نزلت بالمدينة وهي ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون﴾ [لقمان: ٤] قائلا لأن الصلاة والزكاة فرضت بالمدينة، ورده البيضاوي على تسليم ذلك بأن فرضها بالمدينة لا ينافي تشريعها بمكة على غير إيجاب، والمحقون يمنعون أن تكون الصلاة والزكاة فرضتا بالمدينة فأما الصلاة فلا ريب في أنها فرضت على الجملة بمكة وأما الزكاة ففرضت بمكة دون تعيين أنصباء ومقادير، ثم عينت الأنصباء والمقادير بالمدينة.

ويتحصل من هذا أن القائل بأن آية ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة﴾ [لقمان: ٤] إلى آخرها نزلت بالمدينة قاله من قبل رأيه وليس له سند يعتمد كما يؤذن به قوله لأن الصلاة والزكاة إلخ. ثم هو يقتضي أن يكون صدر سورة النازل بمكة هدى ورحمة للمحسنين، ﴿أولئك على هدى من ربهم﴾ [لقمان: ٥] إلخ ثم ألحق به ﴿الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون﴾ [لقمان: ٤] .

وأما القول باستثناء آيتين وثلاث فمستند إلى ما رواه ابن جرير عن قتادة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن قوله تعالى ﴿ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام﴾ [لقمان: ٢٧] إلى آخر الآيتين أو الثلاث نزلت بسبب «مجادلة كانت من اليهود أن أحبارهم قالوا: يا محمد أرأيت قوله ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾ [الإسراء: ٨٥] إيانا تريد أم قومك ؟ فقال رسول الله ﷺ: كلا أردت. قالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله ﷺ: إنها في علم الله قليل، فأنزل الله عليه ﴿ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام﴾ [لقمان: ٢٧] الآيات»  . وذلك مروي بأسانيد ضعيفة وعلى تسليمها فقد أجيب بأن اليهود جادلوا في ذلك ورسول الله ﷺ بمكة بأن لقنوا ذلك وفدا من قريش وفد إليهم إلى المدينة، وهذا أقرب للتوفيق بين الأقوال. وهذه الروايات وإن كانت غير ثابتة بسند صحيح إلا أن مثل هذا يكتفى فيه بالمقبول في الجملة. قال أبو حيان: سبب نزول هذه السورة أن قريشا سألوا رسول الله ﷺ عن قصة لقمان مع ابنه، أي سألوه سؤال تعنت واختبار. وهذا الذي ذكره أبو حيان يؤيد تصدير السورة بقوله تعالى ﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث﴾ [لقمان: ٦] .

وهذه السورة هي السابعة والخمسون في تعداد نزول السور، نزلت بعد سورة الصافات وقبل سورة سبأ.

وعدت آياتها ثلاثا وثلاثين في عد أهل المدينة ومكة وأربعا وثلاثين في عد أهل الشام والبصرة والكوفة

أغراض السورة

الأغراض التي اشتملت عليها هذه السورة تتصل بسبب نزولها الذي تقدم ذكره أن المشركين سألوا عن قصة لقمان وابنه، وإذا جمعنا بين هذا وبين ما سيأتي عند قوله تعالى ﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث﴾ [لقمان: ٦] من أن المراد به النضر بن الحارث إذ كان يسافر إلى بلاد الفرس فيقتني كتب قصة إسفنديار ورستم وبهرام، وكان يقرؤها على قريش ويقول: يخبركم محمد عن عاد وثمود وأحدثكم أنا عن رستم وإسفنديار وبهرام، فصدرت هذه السورة بالتنويه بهدي القرآن ليعلم الناس أنه لا يشتمل إلا على ما فيه هدى وإرشاد للخير ومثل الكمال النفساني، فلا التفات فيه إلى أخبار الجبابرة وأهل الضلال إلا في مقام التحذير مما هم فيه ومن عواقبه، فكان صدر هذه السورة تمهيدا لقصة لقمان، وقد تقدم الإلماع إلى هذا في قوله تعالى في أول سورة يوسف ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾ [يوسف: ٣] ونبهت عليه في المقدمة السابعة بهذا التفسير.

وانتقل من ذلك إلى تسفيه النضر بن الحارث وقصصه الباطلة.

وابتدئ ذكر لقمان بالتنويه بأن آتاه الله الحكمة وأمره بشكر النعمة. وأطيل الكلام في وصايا لقمان وما اشتملت عليه: من التحذير من الإشراك، ومن الأمر ببر الوالدين، ومن مراقبة الله لأنه عليم بخفيات الأمور، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر، والتحذير من الكبر والعجب، والأمر بالاتسام بسمات المتواضعين في المشي والكلام.

وسلكت السورة أفانين ذات مناسبات لما تضمنته وصية لقمان لابنه، وأدمج في ذلك تذكير المشركين بدلائل وحدانية الله تعالى وبنعمه عليهم وكيف أعرضوا عن هديه وتمسكوا بما ألفوا عليه آباءهم.

وذكرت مزية دين الإسلام.

وتسلية الرسول ﷺ بتمسك المسلمين بالعروة الوثقى، وأنه لا يحزنه كفر من كفروا.

وانتظم في هذه السورة الرد على المعارضين للقرآن في قوله ﴿ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام﴾ [لقمان: ٢٧] وما بعدها. وختمت بالتحذير من دعوة الشيطان والتنبيه إلى بطلان ادعاء علم الغيب.