آيات
١٢
مكان النزول
المدينة المنورة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سورة (( ﴿يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك﴾ [التحريم: ١]) ) إلخ سميت (سورة التحريم) في كتب السنة وكتب التفسير. ووقع في رواية أبي ذر الهروي لصحيح البخاري تسميتها باسم (سورة اللم تحرم) بتشديد اللام، وفي الإتقان وتسمى (سورة اللم تحرم)، وفي تفسير الكواشي أي بهمزة وصل وتشديد اللام مكسورة وبفتح الميم وضم التاء محققة وتشديد الراء مكسورة بعدها ميم على حكاية جملة (﴿لم تحرم﴾ [التحريم: ١]) وجعلها بمنزلة الاسم وإدخال لام تعريف العهد على ذلك اللفظ وإدغام اللامين.
وتسمى (سورة النبيء) ﷺ وقال الآلوسي: إن ابن الزبير سماها (سورة النساء) . قلت ولم أقف عليه ولم يذكر صاحب الإتقان هذين في أسمائها.
واتفق أهل العدد على أن عدة آيها اثنتا عشرة.
وهي مدنية. قال ابن عطية: بإجماع أهل العلم وتبعه القرطبي. وقال في الإتقان عن قتادة: إن أولها إلى تمام عشر آيات وما بعدها مكي، كما وقعت حكاية كلامه. ولعله أراد إلى عشر آيات، أي أن الآية العاشرة من المكي إذ من البعيد أن تكون الآية العاشرة مدنية والحادية عشر مكية.
وهي معدودة الخامسة بعد المائة في عداد نزول سور القرآن نزلت بعد سورة الحجرات وقبل سورة الجمعة.
ويدل قوله (﴿قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم﴾ [التحريم: ٢]) أنها نزلت بعد سورة المائدة كما سيأتي.
وسبب نزولها حادثتان حدثتا بين أزواج النبيء ﷺ .
إحداهما: ما ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبيء ﷺ كان شرب عسلا عند إحدى نسائه اختلف في أنها زينب بنت جحش، أو حفصة، أو أم سلمة، أو سودة بنت زمعة. والأصح أنها زينب. فعلمت بذلك عائشة فتواطأت هي وحفصة على أن أيتهما دخل عليها تقول له (إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير) (والمغافير صمغ شجر العرفط وله رائحة مختمرة) وكان النبيء ﷺ يكره أن توجد منه رائحة وإنما تواطأتا على ذلك غيرة منهما أن يحتبس عند زينب زمانا يشرب فيه عسلا. فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال: «بل شربت عسلا عند فلانة ولن أعود له»، أراد بذلك استرضاء حفصة في هذا الشأن وأوصاها أن لا تخبر بذلك عائشة لأنه يكره غضبها فأخبرت حفصة عائشة فنزلت الآيات.
هذا أصح ما روي في سبب نزول هذه الآيات. والتحريم هو قوله: ولن أعود له، لأن النبيء ﷺ لا يقول إلا صدقا وكانت سودة تقول لقد حرمناه.
والثانية ما رواه ابن القاسم في المدونة عن مالك عن زيد بن أسلم قال: حرم رسول الله أم إبراهيم جاريته فقال (والله لا أطؤك) ثم قال: هي علي حرام فأنزل الله تعالى (﴿يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك﴾ [التحريم: ١]) .
وتفصيل هذا الخبر ما رواه الدارقطني عن ابن عباس عن عمر قال: «دخل رسول الله ﷺ بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدته حفصة معها، وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها. فقالت حفصة: تدخلها بيتي ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك. فقال لها: لا تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها. قيل: فقالت له حفصة: كيف تحرم عليك وهي جاريتك فحلف لها أن لا يقربها فذكرته حفصة لعائشة فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا فأنزل الله تعالى (﴿يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك﴾ [التحريم»: ١]) . وهو حديث ضعيف.
أغراض هذه السورة ما تضمنه سبب نزولها أن أحدا لا يحرم على نفسه ما أحل الله له لإرضاء أحد إذ ليس ذلك بمصلحة له ولا للذي يسترضيه فلا ينبغي أن يجعل كالنذر إذ لا قربة فيه وما هو بطلاق لأن التي حرمها جارية ليست بزوجة، فإنما صلاح كل جانب فيما يعود بنفع على نفسه أو ينفع به غيره نفعا مرضيا عند الله. وتنبيه نساء النبيء ﷺ إلى أن غيرة الله على نبيئه أعظم من غيرتهن عليه وأسمى مقصدا.
وأن الله يطلعه على ما يخصه من الحادثات.
وأن من حلف على يمين فرأى حنثها خيرا من برها أن يكفر عنها ويفعل الذي هو خير. وقد ورد التصريح بذلك في حديث وفد عبد القيس عن رواية أبي موسى الأشعري، وتقدم في سورة (براءة) .
وتعليم الأزواج أن لا يكثرن من مضايقة أزواجهن فإنها ربما أدت إلى الملال فالكراهية فالفراق.
وموعظة الناس بتربية بعض الأهل بعضا ووعظ بعضهم بعضا.
وأتبع ذلك بوصف عذاب الآخرة ونعيمها وما يفضي إلى كليهما من أعمال الناس صالحاتها وسيئاتها.
وذيل ذلك بضرب مثلين من صالحات النساء وضدهن لما في ذلك من العظمة لنساء المؤمنين ولأمهاتهم.