المدينة المنورة
سورة النصر

آيات

٣

مكان النزول

المدينة المنورة

تمهيد عام للسورة (مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

سميت هذه السورة في كلام السلف (سورة إذا جاء نصر الله والفتح) . روى البخاري (أن عائشة قالت: لما نزلت سورة إذا جاء نصر الله والفتح) الحديث.

وسميت في المصاحف وفي معظم التفاسير (سورة النصر) لذكر نصر الله فيها، فسميت بالنصر المعهود عهدا ذكريا.

وهي معنونة في جامع الترمذي (سورة الفتح) لوقوع هذا اللفظ فيها فيكون هذا الاسم مشتركا بينها وبين ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾ [الفتح: ١] .

وعن ابن مسعود أنها تسمى سورة التوديع في الإتقان؛ لما فيها من الإيماء إلى وداعه ﷺ اهـ. يعني: من الإشارة إلى اقتراب لحاقه بالرفيق الأعلى كما سيأتي عن عائشة.

وهي مدنية بالاتفاق.

واختلف في وقت نزولها فقيل نزلت منصرف النبيء ﷺ من خيبر أي: في سنة سبع، ويؤيده ما رواه الطبري والطبراني عن ابن عباس: «بينما رسول الله ﷺ بالمدينة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح، قال رسول الله ﷺ: الله أكبر جاء نصر الله والفتح، وجاء نصر أهل اليمن. فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية»  اهـ، ومجيء أهل اليمن أول مرة هو مجيء وفد الأشعريين عام غزوة خيبر.

ولم يختلف أهل التأويل أن المراد بالفتح في الآية هو فتح مكة، وعليه فالفتح مستقبل ودخول الناس في الدين أفواجا مستقبل أيضا وهو الأليق باستعمال (إذا) ويحمل قول النبيء ﷺ (﴿جاء نصر الله والفتح﴾ [النصر: ١]) على أنه استعمال الماضي في معنى المضارع لتحقق وقوعه، أو لأن النصر في خيبر كان بادرة لفتح مكة.

وعن قتادة: نزلت قبل وفاة رسول الله ﷺ بسنتين.

وقال الواحدي عن ابن عباس (نزلت منصرفه من حنين)، فيكون الفتح قد مضى ودخول الناس في الدين أفواجا مستقبلا، وهو في سنة الوفود سنة تسع، وعليه تكون (إذا) مستعملة في مجرد التوقيت دون تعيين.

وروى البزاز والبيهقي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عمر أنها أنزلت أواسط أيام التشريق (أي: عام حجة الوداع) . وضعفه ابن رجب بأن فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف. وقال أحمد بن حنبل: لا تحل الرواية عنه وإن صحت هذه الرواية كان الفتح ودخول الناس في الدين أفواجا قد مضيا.

وعن ابن عمر أن رسول الله ﷺ عاش بعد نزولها نحو ثلاثة أشهر وعليه تكون (إذا) مستعملة للزمن الماضي؛ لأن الفتح ودخول الناس في الدين قد وقعا.

وقد تظافرت الأخبار رواية وتأويلا أن هذه السورة تشتمل على إيماء إلى اقتراب أجل رسول الله ﷺ وليس في ذلك ما يرجح أحد الأقوال في وقت نزولها، إذ لا خلاف في أن هذا الإيماء يشير إلى توقيت مجيء النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا، فإذا حصل ذلك حان الأجل الشريف.

وفي حديث ابن عباس في صحيح البخاري: «هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه له قال: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ [النصر: ١] وذلك علامة أجلك ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾ [النصر»: ٣]  .

وفي هذا ما يؤول ما في بعض الأخبار من إشارة إلى اقتراب ذلك الأجل مثلما في حديث ابن عباس عند البيهقي في دلائل النبوة والدارمي وابن مردويه: «(لما نزلت ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ [النصر: ١] دعا رسول الله ﷺ فاطمة وقال: إنه قد نعيت إلي نفسي فبكت» ) إلخ، فإن قوله: ”لما نزلت“ مدرج من الراوي، وإنما هو إعلام لها في مرضه كما جاء في حديث الوفاة في الصحيحين، فهذا جمع بين ما يلوح منه تعارض في هذا الشأن.

وعدها جابر بن زيد السورة المائة والثلاث في ترتيب نزول السور وقال: نزلت بعد سورة الحشر وقبل سورة النور. وهذا جار على رواية أنها نزلت عقب غزوة خيبر.

وعن ابن عباس، أنها آخر سورة نزلت من القرآن فتكون على قوله السورة المائة وأربع عشرة نزلت بعد سورة براءة ولم تنزل بعدها سورة أخرى.

وعدد آياتها ثلاث وهي مساوية لسورة الكوثر في عدد الآيات إلا أنها أطول من سورة الكوثر عدة كلمات، وأقصر من سورة العصر. وهاته الثلاث متساوية في عدد الآيات. وفي حديث ابن أبي شيبة عن أبي إسحاق السبعي في حديث طعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فصلى عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة بأقصر سورتين في القرآن (﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ [الكوثر: ١]) و(﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ [النصر: ١]) .

أغراض السورة

والغرض منها الوعد بنصر كامل من عند الله أو بفتح مكة، والبشارة بدخول خلائق كثيرة في الإسلام بفتح وبدونه إن كان نزولها عند منصرف النبيء ﷺ من خيبر كما قال ابن عباس في أحد قوليه.

والإيماء إلى أنه حين يقع ذلك فقد اقترب انتقال رسول الله ﷺ إلى الآخرة.

ووعده بأن الله غفر له مغفرة تامة لا مؤاخذة عليه بعدها في شيء مما يختلج في نفسه الخوف أن يكون منه تقصير يقتضيه تحديد القوة الإنسانية الحد الذي لا يفي بما تطلبه همته الملكية بحيث يكون قد ساوى الحد الملكي الذي وصفه الله تعالى في الملائكة بقوله: ﴿يسبحون الليل والنهار لا يفترون﴾ [الأنبياء: ٢٠] .