مكة المكرمة
سورة القصص

آيات

٨٨

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سميت سورة القصص ولا يعرف لها اسم آخر. ووجه التسمية بذلك وقوع لفظ (القصص) فيها عند قوله تعالى ﴿فلما جاءه وقص عليه القصص﴾ [القصص: ٢٥] .

فالقصص الذي أضيفت إليه السورة هو قصص موسى الذي قصه على شعيب عليهما السلام فيما لقيه في مصر قبل خروجه منها. فلما حكي في السورة ما قصه موسى كانت هاته السورة ذات قصص لحكاية قصص، فكان القصص متوغلا فيها. وجاء لفظ القصص في سورة يوسف ولكن سورة يوسف نزلت بعد هذه السورة.

وهي مكية في قول جمهور التابعين. وفيها آية ﴿إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد﴾ [القصص: ٨٥] . قيل نزلت على النبيء ﷺ في الجحفة في طريقه إلى المدينة للهجرة تسلية له على مفارقة بلده. وهذا لا يناكد أنها مكية؛ لأن المراد بالمكي ما نزل قبل حلول النبيء ﷺ بالمدينة كما أن المراد بالمدني ما نزل بعد ذلك ولو كان نزوله بمكة.

وعن مقاتل وابن عباس أن قوله تعالى ﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون﴾ [القصص: ٥٢] إلى قوله ﴿سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين﴾ [القصص: ٥٥] نزل بالمدينة.

وهي السورة التاسعة والأربعون في عداد نزول سور القرآن، نزلت بعد سورة النمل وقبل سورة الإسراء، فكانت هذه الطواسين الثلاث متتابعة في النزول كما هو ترتيبها في المصحف، وهي متماثلة في افتتاح ثلاثتها بذكر موسى عليه السلام. ولعل ذلك الذي حمل كتاب المصحف على جعلها متلاحقة.

وهي ثمان وثمانون آية باتفاق العادين.

أغراض السورة

اشتملت هذه السورة على التنويه بشأن القرآن والتعريض بأن بلغاء المشركين عاجزون عن الإتيان بسورة مثله. وعلى تفصيل ما أجمل في سورة الشعراء من قول فرعون لموسى ﴿ألم نربك فينا وليدا﴾ [الشعراء: ١٨] إلى قوله ﴿وأنت من الكافرين﴾ [الشعراء: ١٩] ففصلت سورة القصص كيف كانت تربية موسى في آل فرعون.

وبين فيها سبب زوال ملك فرعون.

وفيها تفصيل ما أجمل في سورة النمل من قوله ﴿إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا﴾ [النمل: ٧] ففصلت سورة القصص كيف سار موسى وأهله وأين آنس النار ووصف المكان الذي نودي فيه بالوحي إلى أن ذكرت دعوة موسى فرعون فكانت هذه السورة أوعب لأحوال نشأة موسى إلى وقت إبلاغه الدعوة ثم أجملت ما بعد ذلك؛ لأن تفصيله في سورة الأعراف وفي سورة الشعراء. والمقصود من التفصيل ما يتضمنه من زيادة المواعظ والعبر.

وإذ قد كان سوق تلك القصة إنما هو للعبرة والموعظة ليعلم المشركون سنة الله في بعثة الرسل ومعاملته الأمم المكذبة لرسلها.

وتحدى المشركين بعلم النبيء ﷺ بذلك وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ولا خالط أهل الكتاب، ذيل الله ذلك بتنبيه المشركين إليه وتحذيرهم من سوء عاقبة الشرك وأنذرهم إنذارا بليغا.

وفند قولهم ﴿لولا أوتي مثل ما أوتي موسى﴾ [القصص: ٤٨] من الخوارق كقلب العصا حية ثم انتقاضهم في قولهم إذ كذبوا موسى أيضا.

وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة.

وأبطل معاذيرهم ثم أنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله.

وساق لهم أدلة على وحدانية الله تعالى وفيها كلها نعم عليهم وذكرهم بما سيحل بهم يوم الجزاء.

وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونعمتهم ومالهم بأن ذلك متاع الدنيا وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خير وأبقى.

وأعقبه بضرب المثل لهم بحال قارون في قوم موسى. وتخلص من ذلك إلى التذكير بأن أمثال أولئك لا يحظون بنعيم الآخرة وأن العاقبة للمتقين.

وتخلل ذلك إيماء إلى اقتراب مهاجرة المسلمين إلى المدينة، وإيماء إلى أن الله مظهرهم على المشركين بقوله ﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض﴾ [القصص: ٥] الآية.

وختم الكلام بتسلية الرسول ﷺ وتثبيته ووعده بأنه يجعل بلده في قبضته ويمكنه من نواصي الضالين.

ويقرب عندي أن يكون المسلمون ودوا أن تفصل لهم قصة رسالة موسى عليه السلام فكان المقصود انتفاعهم بما في تفاصيله من معرفة نافعة لهم تنظيرا لحالهم وحال أعدائهم. فالمقصود ابتداء هم المسلمون ولذلك قال تعالى في أولها ﴿نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون﴾ [القصص: ٣] أي للمؤمنين.