آيات
٢٠
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
ليس لهذه السورة إلا اسم (سورة المزمل) عرفت بالإضافة لهذا اللفظ الواقع في أولها، فيجوز أن يراد به حكاية اللفظ، ويجوز أن يراد به النبيء ﷺ موصوفا بالحال الذي نودي به في قوله تعالى ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١] .
قال ابن عطية: هي في قول الجمهور مكية إلا قوله تعالى ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل﴾ [المزمل: ٢٠] إلى نهاية السورة فذلك مدني. وحكى القرطبي مثل هذا عن الثعلبي.
وقال في الإتقان: إن استثناء قوله ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل﴾ [المزمل: ٢٠] إلى آخر السورة يرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة نزل بعد نزول صدر السورة بسنة، وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس اهـ.
يعني وذلك كله بمكة، أي: فتكون السورة كلها مكية فتعين أن قوله ﴿قم الليل﴾ [المزمل: ٢] أمر به في مكة.
والروايات تظاهرت على أن قوله ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم﴾ [المزمل: ٢٠] إلى آخر السورة نزل مفصولا عن نزول ما قبله بمدة مختلف في قدرها، فقالت عائشة: نزل بعد صدر السورة بسنة. ومثله روى الطبري عن ابن عباس، وقال الجمهور: نزل صدر السورة بمكة ونزل ﴿إن ربك يعلم﴾ [المزمل: ٢٠] إلى آخرها بالمدينة، أي: بعد نزول أولها بسنين.
فالظاهر أن الأصح أن نزول (إن ربك يعلم) إلى آخر السورة نزل بالمدينة لقوله تعالى ﴿وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾ [المزمل: ٢٠] إن لم يكن ذلك إنباء بمغيب على وجه المعجزة.
وروى الطبري عن سعيد بن جبير قال: لما أنزل الله على نبيه ﷺ يا أيها المزمل، مكث النبي ﷺ على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم﴾ [المزمل: ٢٠] إلى ﴿وأقيموا الصلاة﴾ [المزمل: ٢٠] اهـ، أي: نزلت الآيات الأخيرة في المدينة بناء على أن مقام النبيء ﷺ بمكة كان عشر سنين، وهو قول جم غفير.
والروايات عن عائشة مضطربة بعضها يقتضي أن السورة كلها مكية وأن صدرها نزل قبل آخرها بسنة قبل فرض الصلاة وهو ما رواه الحاكم في نقل صاحب الإتقان. وذلك يقتضي أن أول السورة نزل بمكة، وبعض الروايات يقول فيها: إنها كانت تفرش لرسول الله ﷺ حصيرا فصلى عليه من الليل فتسامع الناس فاجتمعوا فخرج مغضبا وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ونزل ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١] ﴿قم الليل إلا قليلا﴾ [المزمل: ٢] فكتبت عليهم بمنزلة الفريضة ومكثوا على ذلك ثمانية أشهر ثم وضع الله ذلك عنهم، فأنزل ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل﴾ [المزمل: ٢٠] إلى ﴿فتاب عليكم﴾ [المزمل: ٢٠]، فردهم إلى الفريضة ووضع عنهم النافلة. وهذا ما رواه الطبري بسندين إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، وهو يقتضي أن السورة كلها مدنية؛ لأن النبيء ﷺ لم يبن بعائشة إلا في المدينة، ولأن قولها ”فخرج مغضبا“ يقتضي أنه خرج من بيته المفضي إلى مسجده، ويؤيده أخبار تثبت قيام الليل في مسجده. ولعل سبب هذا الاضطراب اختلاط في الرواية بين فرض قيام الليل وبين الترغيب فيه.
ونسب القرطبي إلى تفسير الثعلبي قال: قال النخعي في قوله تعالى ﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١] كان النبيء ﷺ متزملا بقطيفة عائشة، وهي مرط نصفه عليها وهي نائمة ونصفه على النبيء ﷺ وهو يصلي اهـ، وإنما بنى النبيء ﷺ بعائشة في المدينة، فالذي نعتمد عليه أن أول السورة نزل بمكة لا محالة كما سنبينه عند قوله تعالى ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ [المزمل: ٥]، وأن قوله ﴿إن ربك يعلم أنك تقوم﴾ [المزمل: ٢٠] إلى آخر السورة نزل بالمدينة بعد سنين من نزول أول السورة؛ لأن فيه ناسخا لوجوب قيام الليل وأنه ناسخ لوجوب قيام الليل عن النبيء ﷺ وأن ما رووه عن عائشة أن أول ما فرض قيام الليل قبل فرض الصلاة غريب.
وحكى القرطبي عن الماوردي: أن ابن عباس وقتادة قالا: إن آيتين، وهما ﴿واصبر على ما يقولون﴾ [المزمل: ١٠] إلى قوله ﴿ومهلهم قليلا﴾ [المزمل: ١١] نزلتا بالمدينة.
واختلف في عد هذه السورة في ترتيب نزول السور، والأصح الذي تضافرت عليه الأخبار الصحيحة: أن أول ما نزل سورة العلق واختلف فيما نزل بعد سورة العلق، فقيل: سورة (ن والقلم)، وقيل نزل بعد العلق سورة المدثر، ويظهر أنه الأرجح ثم قيل نزلت سورة المزمل بعد القلم فتكون ثالثة. وهذا قول جابر بن زيد في تعداد نزول السور، وعلى القول بأن المدثر هي الثانية. يحتمل أن تكون القلم ثالثة والمزمل رابعة، ويحتمل أن تكون المزمل هي الثالثة والقلم رابعة، والجمهور على أن المدثر نزلت قبل المزمل، وهو ظاهر حديث عروة بن الزبير عن عائشة في بدء الوحي من صحيح البخاري وسيأتي عند قوله تعالى (﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١]) .
والأصح أن سبب نزول (﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١]) ما في حديث جابر بن عبد الله الآتي عند قوله تعالى (﴿يا أيها المزمل﴾ [المزمل: ١]) الآية.
وعدت آيها في عد أهل المدينة ثمان عشرة آية، وفي عد أهل البصرة تسع عشرة، وفي عد من عداهم عشرون.
الإشعار بملاطفة الله تعالى رسوله ﷺ بندائه بوصفه بصفة تزمله.
واشتملت على الأمر بقيام النبيء ﷺ غالب الليل، والثناء على طائفة من المؤمنين حملوا أنفسهم على قيام الليل.
وعلى تثبيت النبيء ﷺ بتحمل إبلاغ الوحي.
والأمر بإدامة إقامة الصلاة وأداء الزكاة وإعطاء الصدقات.
وأمره بالتمحض للقيام بما أمره الله من التبليغ وبأن يتوكل عليه.
وأمره بالإعراض عن تكذيب المشركين.
وتكفل الله له بالنصر عليهم وأن جزاءهم بيد الله.
والوعيد لهم بعذاب الآخرة.
ووعظهم مما حل بقوم فرعون لما كذبوا رسول الله إليهم.
وذكر يوم القيامة ووصف أهواله.
ونسخ قيام معظم الليل بالاكتفاء بقيام بعضه رعيا للأعذار الملازمة.
والوعد بالجزاء العظيم على أفعال الخيرات.
والمبادرة بالتوبة، وأدمج في ذلك أدب قراءة القرآن وتدبره.
وأن أعمال النهار لا يغني عنها قيام الليل.
وفي هذه السورة مواضع عويصة وأساليب غامضة فعليك تدبرها.