مكة المكرمة
سورة العنكبوت

آيات

٦٩

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

اشتهرت هذه السورة بسورة العنكبوت من عهد رسول الله ﷺ؛ لما رواه عكرمة قال: كان المشركون إذا سمعوا تسمية سورة العنكبوت يستهزئون بهما، أي بهذه الإضافة، فنزل قوله تعالى: ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾ [الحجر: ٩٥] يعني المستهزئين بهذا ومثله. وقد تقدم الإلماع إلى ذلك عند قوله تعالى: ﴿إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها﴾ [البقرة: ٢٦] في سورة البقرة.

ووجه إطلاق هذا الاسم على هذه السورة أنها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله تعالى فيها: ﴿مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا﴾ [العنكبوت: ٤١] .

وهي مكية كلها في قول الجمهور، ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة، وقيل: بعضها مدني. روى الطبري، والواحدي في ”أسباب النزول“ عن الشعبي أن الآيتين الأوليين منها أي إلى قوله: ﴿وليعلمن الكاذبين﴾ [العنكبوت: ٣] - نزلتا بعد الهجرة في أناس من أهل مكة أسلموا فكتب إليهم أصحاب النبيء ﷺ من المدينة أن لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا إلى المدينة، فخرجوا مهاجرين، فاتبعهم المشركون فردوهم.

وروى الطبري عن عكرمة عن ابن عباس أن قوله تعالى: ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله﴾ [العنكبوت: ١٠] إلى قوله: ”وليعلمن المنافقين“ نزلت في قوم بمكة، وذكر قريبا مما روي عن الشعبي.

وفي ”أسباب النزول“ للواحدي عن مقاتل: نزلت الآيتان الأوليان في مهجع مولى عمر بن الخطاب، خرج في جيش المسلمين إلى بدر فرماه عامر بن الحضرمي من المشركين بسهم فقتله، فجزع عليه أبوه وامرأته، فأنزل الله هاتين الآيتين. وعن علي بن أبي طالب أن السورة كلها نزلت بين مكة والمدينة. وقيل: إن آية ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله﴾ [العنكبوت: ١٠] نزلت في ناس من ضعفة المسلمين بمكة، كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم في باطن الأمر وأظهروا للمسلمين أنهم لم يزالوا على إسلامهم كما سيأتي عند تفسيرها.

وقال في ”الإتقان“: ويضم إلى ما استثني من المكي فيها قوله تعالى: ﴿وكأين من دابة لا تحمل رزقها﴾ [العنكبوت: ٦٠]؛ لما أخرجه ابن أبي حاتم أن النبيء ﷺ «أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة، فقالوا: كيف نقدم بلدا ليست لنا فيه معيشة، فنزلت ﴿وكأين من دابة لا تحمل رزقها﴾ [العنكبوت»: ٦٠]  .

وقيل: هذه السورة آخر ما نزل بمكة، وهو يناكد بظاهره جعلهم هذه السورة نازلة قبل سورة المطففين، وسورة المطففين آخر السور المكية. ويمكن الجمع بأن ابتداء نزول سورة العنكبوت قبل ابتداء نزول سورة المطففين، ثم نزلت سورة المطففين كلها في المدة التي كانت تنزل فيها سورة العنكبوت، ثم تم بعد ذلك جميع هذه السورة.

وهذه السورة هي السورة الخامسة والثمانون في ترتيب نزول سور القرآن، نزلت بعد سورة الروم وقبل سورة المطففين، وسيأتي عند ذكر سورة الروم ما يقتضي أن العنكبوت نزلت في أواخر سنة إحدى عشرة قبل الهجرة، فتكون من أخريات السور المكية بحيث لم ينزل بعدها بمكة إلا سورة المطففين.

وآياتها تسع وستون باتفاق أصحاب العدد من أهل الأمصار.

أغراض السورة

افتتاح هذه السورة بالحروف المقطعة يؤذن بأن من أغراضها تحدي المشركين بالإتيان بمثل سورة منه كما بينا في سورة البقرة، وجدال المشركين في أن القرآن نزل من عند الله هو الأصل فيما حدث بين المسلمين والمشركين من الأحداث المعبر عنها بالفتنة في قوله هنا: ﴿أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾ [العنكبوت: ٢]، فتعين أن أول أغراض هذه السورة تثبيت المسلمين الذين فتنهم المشركون وصدوهم عن الإسلام أو عن الهجرة مع من هاجروا.

ووعد الله بنصر المؤمنين وخذل أهل الشرك وأنصارهم وملقنيهم من أهل الكتاب.

والأمر بمجافاة المشركين والابتعاد عنهم ولو كانوا أقرب القرابة.

ووجوب صبر المؤمنين على أذى المشركين وأن لهم في سعة الأرض ما ينجيهم من أذى أهل الشرك.

ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ما عدا الظالمين منهم للمسلمين.

وأمر النبيء ﷺ بالثبات على إبلاغ القرآن وشرائع الإسلام.

والتأسي في ذلك بأحوال الأمم التي جاءتها الرسل، وأن محمدا ﷺ جاء بمثل ما جاءوا به.

وما تخلل أخبار من ذكر فيها من الرسل من العبر.

والاستدلال على أن القرآن منزل من عند الله بدليل أمية من أنزل عليه ﷺ .

وتذكير المشركين بنعم الله عليهم ليقلعوا عن عبادة ما سواه.

وإلزامهم بإثبات وحدانيته بأنهم يعترفون بأنه خالق من في السماوات ومن في الأرض.

والاستدلال على البعث بالنظر في بدء الخلق وهو أعجب من إعادته.

وإثبات الجزاء على الأعمال.

وتوعد المشركين بالعذاب الذي يأتيهم بغتة وهم يتهكمون باستعجاله.

وضرب المثل لاتخاذ المشركين أولياء من دون الله بمثل وهي بيت العنكبوت.