آيات
٥٩
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سميت هذه السورة حم الدخان. روى الترمذي بسندين ضعيفين يعضد بعضهما بعضا: عن أبي هريرة عن النبيء ﷺ «من قرأ حم الدخان في ليلة أو في ليلة الجمعة» الحديث.
واللفظان بمنزلة اسم واحد لأن كلمة (حم) غير خاصة بهذه السورة فلا تعد علما لها، ولذلك لم يعدها صاحب الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم.
وسميت في المصاحف وفي كتب السنة (سورة الدخان) .
ووجه تسميتها بالدخان وقوع لفظ الدخان فيها المراد به آية من آيات الله أيد الله بها رسوله ﷺ فلذلك سميت به اهتماما بشأنه، وإن كان لفظ (الدخان) بمعنى آخر قد وقع في سورة حم تنزيل في قوله ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان﴾ [فصلت: ١١] وهي نزلت قبل هذه السورة على المعروف من ترتيب تنزيل سور القرآن عن رواية جابر بن زيد التي اعتمدها الجعبري وصاحب الإتقان على أن وجه التسمية لا يوجبها.
وهي مكية كلها في قول الجمهور. قال ابن عطية: هي مكية لا أحفظ خلافا في شيء منها. ووقع في الكشاف استثناء قوله ﴿إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون﴾ [الدخان: ١٥] ولم يعزه إلى قائل، ومثله القرطبي، وذكره الكواشي قولا وما عزاه إلى معين.
وأحسب أنه قول نشأ عما فهمه القائل، وسنبينه في موضعه.
وهي السورة الثالثة والستون في عد نزول السور في قول جابر بن زيد، نزلت بعد سورة الزخرف وقبل سورة الجاثية في مكانها هذا.
وعدت آيها ستا وخمسين عند أهل المدينة ومكة والشام، وعدت عند أهل البصرة سبعا وخمسين، وعند أهل الكوفة تسعا وخمسين.
أشبه افتتاح هذه السورة فاتحة سورة الزخرف من التنويه بشأن القرآن وشرفه وشرف وقت ابتداء نزوله ليكون ذلك مؤذنا أنه من عند الله ودالا على رسالة محمد ﷺ، وليتخلص منه إلى أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع، إيقاظا لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية، ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله ﷺ دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده.
فأنذرهم بعذاب يحل بهم علاوة على ما دعا به الرسول ﷺ تأييدا من الله له بما هو زائد على مطلبه.
وضرب لهم مثلا بأمم أمثالهم عصوا رسل الله إليهم فحل بهم من العقاب من شأنه أن يكون عظة لهؤلاء، تفصيلا بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه، ودون التفصيل بقوم تبع، وإجمالا وتعميما بالذين من قبل هؤلاء.
وإذ كان إنكار البعث وإحالته من أكبر الأسباب التي أغرتهم على إهمال التدبر في مراد الله تعالى انتقل الكلام إلى إثباته والتعريف بما يعقبه من عقوبة المعاندين ومثوبة المؤمنين ترهيبا وترغيبا.
وأدمج فيها فضل الليلة التي أنزل فيها القرآن، أي ابتدئ إنزاله وهي ليلة القدر.
وأدمج في خلال ذلك ما جرت إليه المناسبات من دلائل الوحدانية وتأييد الله من آمنوا بالرسل، ومن إثبات البعث.
وختمت بالشد على قلب الرسول ﷺ بانتظار النصر وانتظار الكافرين القهر.