آيات
٣١
مكان النزول
المدينة المنورة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سميت في زمن أصحاب رسول الله ﷺ سورة (﴿هل أتى على الإنسان﴾ [الإنسان: ١]) .
روى البخاري في باب القراءة في الفجر من صحيحه عن أبي هريرة قال: «كان النبيء ﷺ يقرأ في الفجر بـ (ألم السجدة) و(﴿هل أتى على الإنسان﴾ [الإنسان»: ١]) .
واقتصر صاحب الإتقان على تسمية هذه السورة (سورة الإنسان) عند ذكر السور المكية والمدنية، ولم يذكرها في عداد السور التي لها أكثر من اسم.
وتسمى (سورة الدهر) في كثير من المصاحف.
وقال الخفاجي تسمى (سورة الأمشاج)، لوقوع لفظ الأمشاج فيها ولم يقع في غيرها من القرآن.
وذكر الطبرسي: أنها تسمى (سورة الأبرار)، لأن فيها ذكر نعيم الأبرار وذكرهم بهذا اللفظ ولم أره لتغيره.
فهذه خمسة أسماء لهذه السورة.
واختلف فيها فقيل هي مكية، وقيل مدنية، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني، فعن ابن عباس وابن أبي طلحة وقتادة ومقاتل: هي مكية، وهو قول ابن مسعود لأنه كذلك رتبها في مصحفه فيما رواه أبو داود كما سيأتي قريبا. وعلى هذا اقتصر معظم التفاسير، ونسبه الخفاجي إلى الجمهور.
وروى مجاهد عن ابن عباس: أنها مدنية، وهو قول جابر بن زيد وحكي عن قتادة أيضا. وقال الحسن وعكرمة والكلبي: هي مدنية إلا قوله (﴿ولا تطع منهم آثما أو كفورا﴾ [الإنسان: ٢٤]) إلى آخرها، أو قوله (﴿فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم﴾ [الإنسان: ٢٤]) إلخ. ولم يذكر هؤلاء أن تلك الآيات من أية سورة كانت تعد في مكة إلى أن نزلت سورة الإنسان بالمدينة وهذا غريب. ولم يعينوا أنه في أية سورة كان مقروءا.
والأصح أنها مكية فإن أسلوبها ومعانيها جارية على سنن السور المكية ولا أحسب الباعث على عدها في المدني إلا ما روي من أن آية (﴿يطعمون الطعام على حبه﴾ [الإنسان: ٨]) نزلت في إطعام علي بن أبي طالب بالمدينة مسكينا ليلة، ويتيما أخرى، وأسيرا أخرى، ولم يكن للمسلمين أسرى بمكة حملا للفظ أسير على معنى أسير الحرب، أو ما روي أنه نزل في أبي الدحداح وهو أنصاري، وكثيرا ما حملوا نزول الآية على مثل تنطبق عليها معانيها فعبروا عنها بأسباب نزول كما بيناه في المقدمة الخامسة.
وعدها جابر بن زيد الثامنة والتسعين في ترتيب نزول السور. وقال: نزلت بعد سورة الرحمن وقبل سورة الطلاق. وهذا جري على ما رآه أنها مدنية.
فإذا كان الأصح أنها مكية أخذا بترتيب مصحف ابن مسعود فتكون الثلاثين أو الحادية والثلاثين وجديرة بأن تعد قبل سورة القيامة أو نحو ذلك حسبما ورد في ترتيب ابن مسعود.
روى أبو داود في باب تحزيب القرآن من سننه عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قال: «كان النبيء ﷺ يقرأ النظائر السورتين وعد سورا، فقال: وهل أتى، و(﴿لا أقسم بيوم القيامة﴾ [القيامة: ١]) في ركعة» . قال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود - أي تأليف مصحفه -: واتفق العادون على عد آيها إحدى وثلاثين
التذكير بأن كل إنسان كون بعد أن لم يكن فكيف يقضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه.
وإثبات أن الإنسان محقوق بإفراد الله بالعبادة شكرا لخالقه، ومحذر من الإشراك به.
وإثبات الجزاء على الحالين مع شيء من وصف ذلك الجزاء بحالتيه والإطناب في وصف جزاء الشاكرين.
وأدمج في خلال ذلك الامتنان على الناس بنعمة الإيجاد ونعمة الإدراك والامتنان بما أعطيه الإنسان من التمييز بين الخير والشر وإرشاده إلى الخير بواسطة الرسل فمن الناس من شكر نعمة الله ومنهم من كفرها فعبد غيره.
وتثبيت النبيء ﷺ على القيام بأعباء الرسالة والصبر على ما يلحقه في ذلك، والتحذير من أن يلين للكافرين، والإشارة إلى أن الاصطفاء للرسالة نعمة عظيمة يستحق الله الشكر عليها بالاضطلاع بما اصطفاه له وبالإقبال على عبادته.
والأمر بالإقبال على ذكر الله والصلاة في أوقات من النهار.