مكة المكرمة
سورة الزمر

آيات

٧٥

مكان النزول

مكة المكرمة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سورة الزمر سميت“ سورة الزمر " من عهد النبيء ﷺ فقد روى الترمذي عن عائشة قالت «كان النبيء ﷺ لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل»، وإنما سميت سورة الزمر لوقوع هذا اللفظ فيها دون غيرها من سور القرآن.

وفي تفسير القرطبي عن وهب بن منبه أنه سماها سورة الغرف وتناقله المفسرون، ووجهه أنها ذكر فيها لفظ الغرف، أي: بهذه الصيغة دون الغرفات، في قوله تعالى ﴿لهم غرف من فوقها غرف﴾ [الزمر: ٢٠] الآية.

وهي مكية كلها عند الجمهور. وعن ابن عباس أن قوله تعالى ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾ [الزمر: ٥٣] الآيات الثلاث. وقيل: إلى سبع آيات نزلت بالمدينة في قصة وحشي قاتل حمزة، وسنده ضعيف، وقصته عليها مخائل القصص.

وعن عمر بن الخطاب أن تلك الآيات نزلت بالمدينة في هشام بن العاصي بن وائل إذ تأخر عن الهجرة إلى المدينة بعد أن استعد لها. وفي رواية: أن معه عياش بن أبي ربيعة وكانا تواعدا على الهجرة إلى المدينة ففتنا فافتتنا.

والأصح أنها نزلت في المشركين كما سيأتي عند تفسيرها، وما نشأ القول بأنها مدنية إلا لما روي فيها من القصص الضعيفة.

وقيل: نزل أيضا في قوله تعالى ﴿قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم﴾ [الزمر: ١٠] الآية؛ بالمدينة.

وعن ابن عباس أن قوله تعالى ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها﴾ [الزمر: ٢٣] الآية؛ نزل بالمدينة.

فبلغت الآيات المختلف فيها تسع آيات.

والمتجه: أنها كلها مكية وأن ما يخيل أنه نزل في قصص معينة إن صحت أسانيده أن يكون وقع التمثل به في تلك القصص فاشتبه على بعض الرواة بأنه سبب نزول.

وسيأتي عند قوله تعالى ﴿وأرض الله واسعة﴾ [الزمر: ١٠] أنها نزلت قبيل هجرة المؤمنين إلى الحبشة، أي: في سنة خمس قبل الهجرة.

وهي السورة التاسعة والخمسون في ترتيب النزول على المختار، نزلت بعد سورة سبأ وقبل سورة غافر.

وعدت آياتها عند المدنيين والمكيين والبصريين اثنتين وسبعين، وعند أهل الشام ثلاثا وسبعين، وعند أهل الكوفة خمسا وسبعين.

أغراض السورة

ابتدئت هذه السورة بما هو كالمقدمة للمقصود، وذلك بالتنويه بشأن القرآن تنويها تكرر في ستة مواضع من هذه السورة لأن القرآن جامع لأغراضها.

وأغراضها كثيرة تحوم حول إثبات تفرد الله بالإلهية وإبطال الشرك فيها.

وإبطال تعللات المشركين لإشراكهم وأكاذيبهم.

ونفي ضرب من ضروب الإشراك وهو زعمهم أن لله ولدا.

والاستدلال على وحدانية الله في الإلهية بدلائل تفرده بإيجاد العوالم العلوية والسفلية، وبتدبير نظامها وما تحتوي عليه مما لا ينكر المشركون انفراده به.

والخلق العجيب في أطوار تكوين الإنسان والحيوان.

والاستدلال عليهم بدليل من فعلهم وهو التجاؤهم إلى الله عندما يصيبهم الضر.

والدعوة إلى التدبر فيما يلقى إليهم من القرآن الذي هو أحسن القول.

وتنبيههم على كفرانهم شكر النعمة.

والمقابلة بين حالهم وبين حال المؤمنين المخلصين لله.

وأن دين التوحيد هو الذي جاءت به الرسل من قبل.

والتحذير من أن يحل بالمشركين ما حل بأهل الشرك من الأمم الماضية.

وإعلام المشركين بأنهم وشركاءهم لا يعبأ بهم عند الله وعند رسوله ﷺ فالله غني عن عبادتهم، ورسوله لا يخشاهم ولا يخاف أصنامهم لأن الله كفاه إياهم جميعا.

وإثبات البعث والجزاء لتجزى كل نفس بما كسبت.

وتمثيل البعث بإحياء الأرض بعد موتها. وضرب لهم مثله بالنوم والإفاقة بعده، وأنه يوم الفصل بين المؤمنين والمشركين.

وتمثيل حال المؤمنين وحال المشركين في الحياتين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.

ودعاء المشركين للإقلاع عن الإسراف على أنفسهم، ودعاء المؤمنين للثبات على التقوى ومفارقة دار الكفر. وختمت بوصف حال يوم الحساب.

وتخلل ذلك كله وعيد ووعد، وأمثال، وترهيب وترغيب، ووعظ وإيماء بقوله ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون﴾ [الزمر: ٩] الآية؛ إلى أن شأن المؤمنين أنهم أهل علم وأن المشركين أهل جهالة، وذلك تنويه برفعة العلم ومذمة الجهل.