المدينة المنورة
سورة الحجرات

آيات

١٨

مكان النزول

المدينة المنورة

تمهيد عام للسورة

(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)

 

سميت في جميع المصاحف وكتب السنة والتفسير“ سورة الحجرات ”وليس لها اسم غيره، ووجه تسميتها أنها ذكر فيها لفظ“ الحجرات " . ونزلت في قصة نداء بني تميم رسول الله ﷺ من وراء حجراته، فعرفت بهذه الإضافة.

وهي مدنية باتفاق أهل التأويل، أي مما نزل بعد الهجرة، وحكى السيوطي في الإتقان قولا شاذا أنها مكية ولا يعرف قائل هذا القول.

وفي أسباب النزول للواحدي أن قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾ [الحجرات: ١٣] الآية، نزلت بمكة في يوم فتح مكة كما سيأتي، ولم يثبت أن تلك الآية نزلت بمكة كما سيأتي. ولم يعدها في الإتقان في عداد السور المستثنى بعض آياتها.

وهي السورة الثامنة بعد المائة في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة المجادلة وقبل سورة التحريم وكان نزول هذه السورة سنة تسع، وأول آيها في شأن وفد بني تميم كما سيأتي عند قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله﴾ [الحجرات: ١] وقوله ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون﴾ [الحجرات: ٤] .

وعد جميع العادين آيها ثمان عشرة آية

أغراض السورة

تتعلق أغراضها بحوادث جدت متقاربة كانت سببا لنزول ما فيها من أحكام وآداب.

وأولها تعليم المسلمين بعض ما يجب عليهم من الأدب مع النبيء ﷺ في معاملته وخطابه وندائه، دعا إلى تعليمهم إياها ما ارتكبه وفد بني تميم من جفاء الأعراب لما نادوا الرسول ﷺ من بيوته كما سيأتي عند قوله تعالى: ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون﴾ [الحجرات: ٤] .

ووجوب صدق المسلمين فيما يخبرون به، والتثبت في نقل الخبر مطلقا وأن ذلك من خلق المؤمنين، ومجانبة أخلاق الكافرين والفاسقين، وتطرق إلى ما يحدث من التقاتل بين المسلمين، والإصلاح بينهم لأنهم إخوة، وما أمر الله به من آداب حسن المعاملة بين المسلمين في أحوالهم في السر والعلانية، وتخلص من ذلك إلى التحذير من بقايا خلق الكفر في بعض جفاة الأعراب تقويما لأود نفوسهم.

وقال فخر الدين عند تفسير قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا﴾ [الحجرات: ٦]: هذه السورة فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق، وهي إما مع الله أو مع رسوله ﷺ أو مع غيرهما من أبناء الجنس، وهم على صنفين: إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين وداخلين في رتبة الطاعة أو خارجين عنها وهو الفسوق، والداخل في طائفتهم: إما أن يكون حاضرا عندهم أو غائبا عنهم فهذه خمسة أقسام، قال: فذكر الله في هذه السورة خمس مرات ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ [الحجرات: ٦] وأرشد بعد كل مرة إلى مكرمة من قسم من الأقسام الخمسة، وسنأتي على بقية كلامه عند تفسير الآية الأولى من هذه السورة.

وهذه السورة هي أول سور المفصل بتشديد الصاد ويسمى المحكم على أحد أقوال في المذهب، وهو الذي ارتضاه المتأخرون من الفقهاء وفي مبدأ المفصل عندنا أقوال عشرة أشهرها قولان: قيل: إن مبدأه سورة ق وقيل: سورة الحجرات، وفي مبدأ وسط المفصل قولان أصحهما أنه سورة عبس، وفي قصاره قولان أصحهما أنها من سورة والضحى.

واختلف الحنفية في مبدأ المفصل على أقوال اثني عشر، والمصحح أن أوله من الحجرات، وأول وسط المفصل سورة الطارق، وأول القصار سورة إذا زلزلت الأرض.

وعند الشافعية قيل: أول المفصل سورة الحجرات، وقيل سورة ق، ورجحه ابن كثير في التفسير كما سيأتي.

وعند الحنابلة: أول المفصل سورة ق.

والمفصل هو السور التي تستحب القراءة ببعضها في بعض الصلوات الخمس على ما هو مبين في كتب الفقه.