آيات
٢٩
مكان النزول
المدينة المنورة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سورة ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾ [الفتح: ١] سميت في كلام الصحابة (سورة الفتح) . ووقع في صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل بغين معجمة مفتوحة وفاء مشددة مفتوحة قال: «قرأ النبيء ﷺ يوم فتح مكة (سورة الفتح) فرجع فيها» . وفيها حديث سهل بن حنيف لقد رأيتنا يوم الحديبية ولو ترى قتالا لقاتلنا. ثم حكى مقالة عمر إلى أن قال فنزلت سورة الفتح ولا يعرف لها اسم آخر.
ووجه التسمية أنها تضمنت حكاية فتح متجه الله للنبيء ﷺ كما سيأتي.
وهي مدنية على المصطلح المشهور في أن المدني ما نزل بعد الهجرة ولو كان نزوله في مكان غير المدينة من أرضها أو من غيرها. وهذه السورة نزلت بموضع يقال له كراع الغميم بضم الكاف من كراع وبفتح الغين المعجمة وكسر الميم من الغميم موضع بين مكة والمدينة وهو واد على مرحلتين من مكة وعلى ثلاثة أميال من عسفان وهو من أرض مكة. وقيل نزلت بضجنان بوزن سكران وهو جبل قرب مكة ونزلت ليلا فهي من القرآن الليلي.
ونزولها سنة ست بعد الهجرة منصرف النبيء ﷺ من الحديبية وقبل غزوة خيبر. وفي الموطأ عن عمر «أن رسول الله ﷺ كان يسير في بعض أسفاره أي منصرفه من الحديبية ليلا وعمر بن الخطاب يسير معه فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال: عمر ثكلت أم عمر نزرت رسول الله ﷺ ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري وتقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في القرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله فسلمت عليه فقال: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾ [الفتح»: ١] . ومعنى قوله لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس لما اشتملت عليه من قوله ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك﴾ [الفتح: ٢] .
وأخرج مسلم والترمذي عن أنس قال «أنزل على النبيء ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك﴾ [الفتح: ٢] إلى قوله فوزا عظيما مرجعه من الحديبية فقال النبيء ﷺ لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على وجه الأرض ثم قرأها» .
وهي السورة الثالثة عشرة بعد المائة في ترتيب نزول السور في قول جابر بن زيد. نزلت بعد سورة الصف وقبل سورة التوبة.
وعدة آيها تسع وعشرون.
وسبب نزولها ما رواه الواحدي وابن إسحاق عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: «نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله - تعالى - ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾ [الفتح: ١] فقال رسول الله: لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا وما فيها» وفي رواية من أولها إلى آخرها.
تضمنت هذه السورة بشارة المؤمنين بحسن عاقبة صلح الحديبية وأنه نصر وفتح فنزلت به السكينة في قلوب المسلمين وأزال حزنهم من صدهم عن الاعتمار بالبيت وكان المسلمون عدة لا تغلب من قلة فرأوا أنهم عادوا كالخائبين فأعلمهم الله بأن العاقبة لهم، وأن دائرة السوء على المشركين والمنافقين.
والتنويه بكرامة النبيء ﷺ عند ربه ووعده بنصر متعاقب.
والثناء على المؤمنين الذين عزروه وبايعوه، وأن الله قدم مثلهم في التوراة وفي الإنجيل.
ثم ذكر بيعة الحديبية والتنويه بشأن من حضرها.
وفضح الذين تخلفوا عنها من الأعراب ولمزهم بالجبن والطمع وسوء الظن بالله وبالكذب على رسول الله ﷺ، ومنعهم من المشاركة في غزوة خيبر، وإنباءهم بأنهم سيدعون إلى جهاد آخر فإن استجابوا غفر لهم تخلفهم عن الحديبية.
ووعد النبيء ﷺ بفتح آخر يعقبه فتح أعظم منه وبفتح مكة. وفيها ذكر بفتح من خيبر كما سيأتي في قوله تعالى ﴿فعجل لكم هذه﴾ [الفتح: ٢٠] .