آيات
١٨٢
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
اسمها المشهور المتفق عليه ”الصافات“، وبذلك سميت في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف كلها، ولم يثبت شيء عن النبيء ﷺ في تسميتها، وقال في الإتقان: رأيت في كلام الجعبري أن سورة ”الصافات“ تسمى ”سورة الذبيح“ وذلك يحتاج إلى مستند من الأمر.
ووجه تسميتها باسم ”الصافات“ وقوع هذا اللفظ فيها بالمعنى الذي أريد به أنه وصف الملائكة، وإن كان قد وقع في سورة الملك لكن بمعنى آخر إذ أريد هنالك صفة الطير، على أن الأشهر أن ”سورة الملك“ نزلت بعد ”سورة الصافات“ .
وهي مكية بالاتفاق وهي السادسة والخمسون في تعداد نزول السور، نزلت بعد سورة الأنعام وقبل سورة لقمان.
وعدت آيها مائة واثنتين وثمانين عند أكثر أهل العدد. وعدها البصريون مائة وإحدى وثمانين.
أغراضها إثبات وحدانية الله تعالى، وسوق دلائل كثيرة على ذلك دلت على انفراده بصنع المخلوقات العظيمة التي لا قبل لغيره بصنعها؛ وهي العوالم السماوية بأجزائها وسكانها ولا قبل لمن على الأرض أن يتطرق في ذلك.
وإثبات أن البعث يعقبه الحشر والجزاء.
ووصف حال المشركين يوم الجزاء ووقوع بعضهم في بعض.
ووصف حسن أحوال المؤمنين ونعيمهم.
ومذاكرتهم فيما كان يجري بينهم وبين بعض المشركين من أصحابهم في الجاهلية ومحاولتهم صرفهم عن الإسلام.
ثم انتقل إلى تنظير دعوة محمد ﷺ قومه بدعوة الرسل من قبله، وكيف نصر الله رسله ورفع شأنهم وبارك عليهم.
وأدمج في خلال ذلك شيء من مناقبهم وفضائلهم وقوتهم في دين الله، وما نجاهم الله من الكروب التي حفت بهم. وخاصة منقبة الذبيح، والإشارة إلى أنه إسماعيل.
ووصف ما حل بالأمم الذين كذبوهم.
ثم الإنحاء على المشركين فساد معتقداتهم في الله ونسبتهم إليه الشركاء، وقولهم: الملائكة بنات الله، وتكذيب الملائكة إياهم على رءوس الأشهاد، وقولهم في النبيء ﷺ والقرآن وكيف كانوا يودون أن يكون لهم كتاب.
ثم وعد الله رسوله بالنصر كدأب المرسلين ودأب المؤمنين السابقين، وأن عذاب الله نازل بالمشركين، وتخلص العاقبة الحسنى للمؤمنين.
وكانت فاتحتها مناسبة لأغراضها بأن القسم بالملائكة مناسب لإثبات الوحدانية لأن الأصنام لم يدعوا لها ملائكة، والذي تخدمه الملائكة هو الإله الحق، ولأن الملائكة من جملة المخلوقات الدال خلقها على عظم الخالق، ويؤذن القسم بأنها أشرف المخلوقات العلوية.
ثم إن الصفات التي لوحظت في القسم بها مناسبة للأغراض المذكورة بعدها، فـ (الصافات) يناسب عظمة ربها، و(الزاجرات) يناسب قذف الشياطين عن السماوات، ويناسب تسيير الكواكب وحفظها من أن يدرك بعضها بعضا، ويناسب زجرها الناس في المحشر.
و”التاليات ذكرا“ يناسب أحوال الرسول والرسل عليهم الصلاة والسلام وما أرسلوا به إلى أقوامهم.
هذا، وفي الافتتاح بالقسم تشويق إلى معرفة المقسم عليه ليقبل عليه السامع بشراشره.
فقد استكملت فاتحة السورة أحسن وجوه البيان وأكملها.