آيات
٣٥
مكان النزول
مكة المكرمة
(مقتبس من تفسير ابن عاشور – التحرير والتنوير)
سميت هذه السورة (سورة الأحقاف) في جميع المصاحف وكتب السنة، ووردت تسميتها بهذا الاسم في كلام عبد الله بن عباس. روى أحمد بن حنبل بسند جيد عن ابن عباس قال: أقرأني رسول الله سورة من آل حم وهي الأحقاف، وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين.
وكذلك وردت تسميتها في كلام عبد الله بن مسعود أخرج الحاكم بسند صححه عن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله سورة الأحقاف الحديث.
وحديث ابن عباس السابق يقتضي أنها تسمى ثلاثين إلا أن ذلك لا يختص بها فلا يعد من أسمائها. ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم.
ووجه تسميتها (الأحقاف) ورود لفظ الأحقاف فيها ولم يرد في غيرها من سور القرآن.
وهي مكية قال القرطبي: باتفاق جميعهم، وفي إطلاق كثير من المفسرين. وبعض المفسرين نسبوا استثناء آيات منها إلى بعض القائلين، فحكى ابن عطية استثناء آيتين هما قوله - تعالى - ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به﴾ [الأحقاف: ١٠] إلى الظالمين فإنها أشارت إلى إسلام عبد الله بن سلام وهو إنما أسلم بعد الهجرة، وقوله ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل﴾ [الأحقاف: ٣٥] . وفي الإتقان ثلاثة أقوال باستثناء آيات ثلاث منها الاثنتان اللتان ذكرهما ابن عطية، والثالثة ﴿ووصينا الإنسان بوالديه﴾ [الأحقاف: ١٥] إلى قوله خاسرين. وسيأتي ما يقتضي أنها نزلت بعد مضي عامين من البعثة وأسانيد جميعها متفاوتة. وأقواها ما روي في الآية الأولى منها، وسنبين ذلك عند الكلام عليها في مواضعها.
وهذه السورة معدودة الخامسة والستين في عداد نزول السور، نزلت بعد الجاثية وقبل الذاريات.
وعدت آيها عند جمهور أهل الأمصار أربعا وثلاثين، وعدها أهل الكوفة خمسا وثلاثين والاختلاف في ذلك مبني على أن حم تعتبر آية مستقلة أو لا.
من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افتتحت مثل سورة الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه منزل من عند الله.
والاستدلال بإتقان خلق السماوات والأرض على التفرد بالإلهية، وعلى إثبات جزاء الأعمال.
والإشارة إلى وقوع الجزاء بعد البعث وأن هذا العالم صائر إلى فناء.
وإبطال الشركاء في الإلهية. والتدليل على خلوهم عن صفات الإلهية.
وإبطال أن يكون القرآن من صنع غير الله.
وإثبات رسالة محمد ﷺ واستشهاد الله - تعالى - على صدق رسالته واستشهاد شاهد بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام.
والثناء على الذين آمنوا بالقرآن وذكر بعض خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدهم الذي بعثهم على تكذيبه.
وذكرت معجزة إيمان الجن بالقرآن.
وختمت السورة بتثبيت الرسول ﷺ .
وأقحم في ذلك معاملة الوالدين والذرية مما هو من خلق المؤمنين، وما هو من خلق أهل الضلالة.
والعبرة بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة، وأن الله أخذهم بكفرهم، وأهلك أمما أخرى فجعلهم عظة للمكذبين، وأن جميعهم لم تغن عنهم أربابهم المكذوبة.
وقد أشبهت كثيرا من أغراض سورة الجاثية مع تفنن.